"نادم علي قتل أبي وأخي ولو عاد بي الزمن ما ارتكبت هذه الجريمة المنكرة.. لعن الله زوجة أبي ألف مرة. ولعن الله المخدرات".. بهذه الكلمات لخَّص الشاب أحمد جريمة منكرة قتل فيها والده وشقيقه بعد أن لعب الشيطان برأسه وقاده إلي غياهب السجون. بنظرات زائغة وانفعالات غير صادقة بدأ أحمد يحكي قصته وما آل إليه أمره.. البداية كانت مع سنوات قليلة من السعادة عاشها وهو صغير مع والده ووالدته في بيت صغير بأحد ضواحي مدينة حلوان.. الأب موظف بسيط.. يكدح طيلة النهار ليأتي بجنيهات قليلة لكنها كافية لتجنب ذل السؤال. أما الأم فكانت هي اليد الحانية التي تقوم بتدبير أمور بيتها ورعاية زوجها وولديها أشرف والصغير أحمد.. كان الأب قليل الإنفاق علي ولديه لكنه في نفس الوقت كان معذوراً لقلة دخله وضيق ذات يده. لكن حنان الأم كان يعوض الصغيرين عن قسوة الحياة وفقر الأب. مرت أعوام وكبر الطفلان.. وبعد حصولهما علي شهادة الإعدادية. لجأ الأب إلي إخراجهما من المدرسة ليتعلما حرفة يكسبان من ورائها مالا يساعدانه علي نفقات الحياة.. فتعلم أشرف السباكة. بينما التحق أحمد بورشة لتعلم السمكرة.. وفي هذه الفترة ماتت الأم فجأة ووجد الفتي نفسه وقد حرم من حنان أمه التي كانت تحبه وترعاه وتؤثره بحبها ورعايتها. ومما زاد من قسوة الأمر علي نفسه أن والده كان يحب أشرف أكثر منه ويعتبره أفضل أبنائه. ثم كانت الطامة الكبري بالنسبة لأحمد عندما تزوج والده بعد فترة من إحدي جاراته. لم يتعود أحمد علي وجود امرأة في المنزل والأدهي أن تحل هذه المرأة محل أمه.. لذلك كان من الطبيعي أن تتوتر علاقته بزوجة أبيه. التي لم تكلف نفسها بمحاولة التودد إلي نجل زوجها فبادلته كرهاً بكره وجفاءً بجفاء. لكن العجيب أن هذه المرأة نجحت في استقطاب أشرف لجانبها. مدعية معه الطيبة والرفق بينما كانت مع أحمد زوجة أب بمعني الكلمة. كان أحمد قد بلغ العشرين من عمره يكسب دخلاً معقولاً. وكان يعطي والده معظم دخله حتي يكمل ثمن شقة يستطيع الزواج فيها.. لكن زوجة الأب كدرت عليه حياته وجعلت علاقة والده به في غاية السوء. حتي انقلب الأب أيضاً بفعل كلام زوجته وساءت علاقته مع نجله وبدأ يعنِّفه. وفي كل مشكلة كان ينحاز دائماً لرأي زوجته. وصل الحال بالشاب لدرجة لم يكن يتمني حدوثها. فقد أصبح يعيش في جانب ووالده وزوجة والده وشقيقه في جانب آخر. الكل صار يكره أفعاله ولا يطيق كلامه.. وكان السبب فشي ذلك ما تبثه زوجة أبيه من سموم.. فلجأ أحمد هرباً من ذلك الجو المقيت إلي السهر خارج البيت مع بعض شباب المنطقة.. وشيئاً فشيئاً بدأ يتعاطي بعض الممنوعات كالبانجو والأقراص المخدرة وسار في طريق اعتقد أنه سينهي مشاكله في المنزل.. لكن العكس هو ما حدث فزادت مشاكله وتشاجر مع والده أكثر من مرة حتي حدث ما جعل الأمور تصل لذروتها. طالب أحمد بسبب العناد والده بالمبالغ التي كان يعطيها له كل شهر حتي يكمل ثمن شقة يستطيع الزواج فيها. لكن والده رفض إعطاءه المال ولما احتد أحمد في طلب نقوده قال له والده "ربنا يسهِّل" فأحس أحمد أن والده يساومه ولن يعطيه المال. وأعتقد أن ذلك بتحريض من المرأة. اشتعلت النيران في صدر الشاب وصمم علي استرداد أمواله والانتقام من الجميع. "أثناء مشاهدته لأحد الأفلام السينمائية جاءته فكرة ارتكاب الجريمة حيث أعجب بالفكرة والطريقة التي سينفذ بها جريمته.. عاد إلي البيت في تلك الليلة في الساعة الحادية عشر مساء وسلم علي والده الذي عنَّفه علي تأخيره ثم صعد إلي حجرته بالطابق العلوي وأخرج مسدساً روسياً اشتراه بألف جنيه من أحد الأشقياء ثم وضع السلاح علي مخدة صغيرة وأطلق رصاصة علي سبيل الاختبار وبالفعل وجدها طريقة جيدة لكتم صوت الرصاص.. بعد ذلك جلس علي سريره حتي الثانية والنصف فجراً ثم نزل للدور الأول الذي يقطن فيه والده فوجده نائماً فقام بوضع الوسادة أمام المسدس وأطلق رصاصة علي والده فأصاب رأسه برصاصة قاتلة. ثم ذهب بعد ذلك إلي حجرة شقيقه أشرف وأطلق عليه رصاصة أخري وهو نائم ولفظ أيضاً أنفاسه في الحال.. ثم ويا للعجب نزل إلي المسجد قبل اكتشاف زوجة أبيه الجريمة وصلي الفجر وبكي بحُرقة ندماً علي قتل والده وشقيقه. انتظر القاتل الغادر فترة حتي سمع صوت زوجة أبيه تصرخ فصعد إليها وتظاهر بالصراخ والبكاء حتي لا يفتضح أمره.. ثم حاول إلقاء الشكوك حولها واتهامها بقتل والده وأخيه طمعاً في المنزل ومكافأة نهاية الخدمة التي كان والده سيحصل عليها بعد أشهر قليلة.. لكن ادعاءه ثبت كذبه بعد أن تيين رجال الشرطة من أنه وراء ارتكاب الجريمة. عندما أبلغت زوجة المجني عليه الشرطة بالحادث تبين وجود جثة المجني عليه الأول ملقاة علي كنبة خلف باب صالة الشقة.. كما وجدت جثة المجني عليه الثاني ملقاة أعلي سريره ويرتديان ملابسهما كاملة.. كما أنهما مصابان بطلق ناري بمؤخرة الرأس.. وتبين سلامة جميع منافذ الشقة.. بتكثيف التحريات تبين أن القاتل هو أحمد فتم ضبطه وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة لسوء معاملة والده وشقيقه له مستخدماً في ذلك سلاحاً نارياً مسدساً روسياً عيار اشتراه من أحد الأشخاص بالمنطقة مقابل ألف جنيه وقام المتهم بإرشاد الشرطة عن مكان السلاح بأعلي سطح عيار مجاور لمسكنه. كما تم العثور علي مقذوفين فارغين. بعد دخوله السجن أصيب أحمد بنوبة اكتئاب حادة بعد أن علم أنه خسر كل شيء والده وشقيقه وماله. كما خسر نفسه أيضاً بينما فازت زوجة أبيه بالمنزل والمال وضحكت هي في النهاية.