فاجأتنا الحكومة بالموافقة علي مشروع قانون تقول إنه يحقق العدالة الناجزة.. هو إلغاء ما ينص عليه قانون الإجراءات الجنائية من وجوب سماع القاضي للشهود.. ليصبح من حق القاضي أن يستمع أولاً للشهود!! هذا القانون في حالة إقراره قد يعالج جزئياً بطء التقاضي لكنه في الحقيقة يهدر أحد أركان العدالة نفسها.. فمن حق كل الأطراف سماع شهودهم.. المجني عليه تتولي النيابة تقديم شهود إثبات لما تم في حقه.. والمهم يتولي الدفاع تقديم ما لديه من شهود نفي.. ثم تصدر المحكمة حكمها وفقاً لرؤيتها ويقينها بناء علي كل الأدلة بما فيها الشهود. صحيح أن لدينا "قضاة عظام" لن يتجاهلوا سماع شاهد قد تنير شهادته طريق العدالة.. لكن عندما يكون هذا الحق اختيارياً فإن الشك يطول الحكم مهما كان صحيحاً.. وعندما يلجأ المتهم في حالة الحكم عليه إلي محكمة النقض لنقض الحكم لعدم سماع المحكمة لشهود النفي فلن تستطيع المحكمة أن تجيبه وقد تؤكد الحكم.. نعم هذا سوف يختصر مدة التقاضي لكنه أيضاً يجعل الحكم غير مريح. ليس معني الاعتراض علي مشروع القانون هذا أن طول فترة التقاضي شيء جيد لكن هذا الاعتراض يعني أن هناك حلولاً أخري تجعل العدالة ناجزة دون المساس بجوهرها.. وهي اقتراحات لفقهاء القانون وللقضاة أنفسهم.. منها إلغاء النقض للمرة الثانية ليصبح الحكم قابلاً للطعن عليه مرة واحدة فقط.. هناك أيضاً تحديد مدة لإنجاز الأحكام تقضي علي ما يثار من تلاعب الدفاع أحياناً لإطالة أمد التقاضي.. هناك زيادة عدد القضاة والدوائر لتقليل عدد القضايا المنظورة في الدائرة الواحدة.. هناك النص علي وجوب سماع الشهود لكن مع تحديد مدة زمنية لذلك لا يمكن تجاوزها وإلا سقط الحق وسقطت حجيته في نقض الحكم. هناك أيضاً استحداث ما يسمي بالمفوضية الجنائية المطبقة في عدة دول.. والمقصود بها تشكيل جهة وسط بين النيابة والمحكمة.. وهي من قضاة أيضاً تحيل إليهم النيابة القضية بأوراقها لتلقي طلبات أطراف النزاع وتحقيقها خلال مدة قصيرة يحددها القانون.. ثم هي تحيل القضية جاهزة إلي المحكمة لتستمع فقط لدفوع المحامين ومرافعاتهم.. وقد سبق طرح هذا المقترح وتجدد طرحه مرة أخري خلال تحقيق نشرته الزميلة الأهرام منذ يومين وأري أنه يحتاج لدراسة جادة لمزاياه وتلافي عيوبه ومدي إمكانية تنفيذه. الحقيقة أن هناك منظومة متكاملة من الإجراءات يمكن أن تحقق العدالة الناجزة لا أعتقد أن من بينها إهدار سماع الشهود أو ترك هذا الحق ليكون جوازياً للقاضي مع كل التقدير لقضاة مصر العظام والمستقلين. أتمني ألا يصدر الرئيس السيسي مثل هذا القانون.. وعلي الأقل فليتم تأجيله للبرلمان القادم ليحصل علي حقه في المناقشة قبل إقراره أو رفضه.