حالة من الاحباط تصيب الشارع المصرى نتيجة عدم الحسم وصدور أحكام نهائية ورادعة ضد الإرهابيين الذين ارتكبوا كل أنواع الجرائم من قتل وحرق مطمئنين إلى أن ترسانة التشريعات ستساعدهم على المماطلة وإطالة الوقت وربما الهروب من العقاب، فى الوقت الذى تحسم دول العالم هذه القضايا الإرهابية فى أقل وقت ودون تجديد للنقض لأنها تمس الأمن القومى، فالأحكام الرادعة على الإرهابيين تساهم مباشرة فى استقرار البلاد. المستشار أحمد عبد العاطى الشافعى رئيس المحكمة باستئناف القاهرة يقول إنه رغم تخصيص 9 دوائر لقضايا الإرهاب لمواجهة ارتفاع أعداد القضايا والمتهمين مع فى قضايا العنف والإرهاب، إلا إن هناك معوقات جوهرية للعدالة الناجزة ناتجة عن قصور فى التشريعات، لأن مراحل التقاضى فى جرائم الإرهاب يجب ألا تتساوى بقضايا عادية جدا لدرجة تفقد الدولة مصداقيتها أمام المواطن، فقضية شبه محسومة مثل قاتل أطفال سيدى جابر، وعادل حبارة والتى تتكشف فيها كل أبعاد الإدانة وجريمة القتل العمد والإرهاب جعلت المواطنين يثيرون التساؤلات حول العدالة التى تأخرت كثيرا لتثأر لأهالى الشهداء وتحقق الأمن والأمان للمواطنين بإنجاز العدالة. وأضاف أنه برغم إدراج الإخوان كجماعة إرهابية لم يحدث ما يتمناه المواطن من ردعهم عن القتل وحرق المنشآت والسيارات وزرع المتفجرات فى كل مكان، فلو طبقت العدالة الناجزة مع حفظ كل حقوق المتهم فى التقاضى، لتوقفت كل تلك الأعمال التخريبية حتى المظاهرات المأجورة من القلة المخدوعة باسم الدين، فقضية عادل حبارة مثلا استغرقت 6 جلسات وحسمت بحكم الإعدام فى أقل وقت، وهنا يلزمنا القانون الحالى بنقض الحكم حتى لو لم يطلب المتهم ذلك، فتحرك دعوى بذلك من النيابة وتعاد المحاكمة من جديد فى كل المراحل فإذا كان الحكم بالاعدام مرة ثانية يتم نقضه مرة ثانية وتعاد المحاكمة من جديد أيضا، وكل هذا يكشف أسباب البطء فى إرساء العدالة الناجزة، فاذا كان بالتأييد ثالث مرة يحق للمتهم أن يقدم التماسا آخر لتعطيل الحكم، فى حين أن دولا كبرى تختصر هذه الاجراءات فى حالة قضايا الارهاب فقط، بحيث لا تتعدى ستة أشهر مع سرعة الحسم وتنفيذ الحكم، ولعل أمل الناس حاليا موجه للمحاكمات العسكرية التى بدأت أخيرا مع مجموعة من المتهمين على رأسها مرشد الجماعة لتكون المحاكمة رادعة لأن الحكم والنقض يكون مرة واحدة مع تصديق الحاكم العسكرى وهو رئيس الجمهورية. ويرى المستشار أحمد الشافعى أن الحل ليس بالقضاء المدنى أو العسكرى ولكن بتشريع قانونى جديد فى قضايا الارهاب، وتعديل إجراءات المحاكمات بحيث تحدد فترة زمنية تلتزم المحكمة بموجبها بنظر القضية وإصدار حكمها خلالها، وأن يكون النقض مرة واحدة فقط، أوأن تلتزم محكمة الجنايات باصدار الحكم فى ثلاثة أشهر والنقض فى شهر واحد، على أن تكون جلسات دوائر الارهاب يومية وليست مرة فى الشهر، وأن تحدد فترة مناسبة لمحاكمة المجموعات مثل قضية كرداسة أو الألتراس، لأن كل متهم له محام، وهذه القضايا يستمر نظرها حتى منتصف الليل لكثرة عدد المتهمين فيها، وفى حالة صدور حكم بالإعدام تغل يد المحكمة وتتولى وزارة العدل تحديد التنفيذ، ويجب أن ينص قانون السجون ولائحته التنفيذية على ذلك وتكون أولوية التنفيذ فى قضايا الإرهاب وليس بالدور، فالعدالة الناجزة هنا تكون مفتاح الاستقرار خاصة مع تنفيذ الحكم على رءوس الفتنة فى البلاد لأن التفجيرات وقتل الأبرياء تقع تحت قانون الغدر. ويرى المستشار الدكتور أحمد شتا رئيس محكمة جنايات شبرا الخيمة أنه مما يعيق القضاء الناجز وجود منازعات تستنفد طاقة القضاء مثل قضايا التهرب الضريبى والنقل والمواصلات، والبناء بدون ترخيص، والسجل المدنى، والقيد بالصحة، والقضايا العمالية، وصحة التوقيع والنفاذ، وكلها من اختصاص الجهات الإدارية وهى التى يمكن أن تصدر فيها قرارات تنفذ بالقوة الجبرية دون الحاجة للجوء للقضاء وبقرارات سريعة حسب كل واقعة، فهذه القضايا تستنفذ طاقة القضاء دون داع فى الوقت الذى تلتهب فيه مشاعر المواطنين تجاه القضايا الإرهابية والجنائية، والمحاكم عاجزة أمام قواعد إجرائية عفا عليها الزمن وهى تحول دون تطبيق عدالة حديثة تضمن حقوق المتهم فى نفس الوقت مع سرعة الفصل فى القضايا، فالمحاكمات الآن تؤخر حق المظلوم بينما الظالم يتمتع بحقوقه وتصدر الأحكام بعد عدة سنوات فنقتل صاحب الحق مرتين، كما تتعدد الدرجات والتى تصل إلى خمس درجات للتقاضى فى ظل حق لا شبهة فيه، فتضيع أسر ومصالح اقتصادية، ولا ينال المظلوم سوى التشهير به طوال تلك الفترة فى الصحف ووسائل الإعلام . وأضاف رئيس محكمة الجنايات أن هناك حلولا أخرى مطبقة فى بعض الدول العربية مثل تشكيل (المفوضية الجنائية)، والتى تمنع التلاعب وعرقلة القضايا بحيث تتسلم القضية التى تحيلها النيابة، وهى تتلقى كل أوراق وطلبات طرفى النزاع خلال أسبوعين وقبل نظر القضية وتتكون من قضاة فى الجنايات وتحقق طلبات الدفاع، ثم تحيل القضية جاهزة للمحكمة المختصة، ولا يحق بعدها للدفاع أى طلبات سوى الدفاع فقط، وكذلك الحال أمام محاكم الاستئناف، ويضمن ذلك سرعة الفصل سواء فى الإرهاب أو القضايا الأخرى، كما يمكن أن نطبق نظام (قضاء اليوم الواحد) ويكون فى النزاعات فى العقود بشرط رضاء الطرفين واتفاقهما للمثول أمامه ويحكم القاضى فى نفس اليوم حكما بلا استئناف، وقد يتطلب الحكم فترة قصيرة من الأيام ولكنه ملزم للطرفين فور الحكم، ويتولى القاضى شخصيا تنفيذه، ويمكن أيضا اعتماد مايسمى (بالمحاكم الآمنة) والتى يقوم فيها القاضى بالتوفيق بين طرفى النزاع فى القضايا المدنية والتجارية والأحوال المدنية بهدف استمرار العلاقات الإنسانية، ويصدر الحكم بناء على الاتفاق والصلح بينهما، وهناك أيضا فكرة (القضاء الالكترونى)، والذى يتيح درجات التقاضى عن طريق مواقع المحكمة ودوائرها الكترونيا وبنفس الطرق المتبعة لتسهيل وانجاز القضايا. ويرى المستشار أحمد عاشور بهيئة قضايا الدولة بقنا أن قانون العقوبات فى مادته رقم 86 لسنة 1958 كاف للردع فى قضايا الإرهاب، بشرط التوسع فى دوائر الإرهاب والتى بلغت 9 دوائر الآن لتسريع الأحكام، مع ضرورة اختصار الإجراءات القانونية فى نظر هذه القضايا دون إصدار قوانين استثنائية تخالف نصوص الدستور، ولأنه لا يوجد برلمان منوط بتعديل التشريعات، كما أن الجمعية العمومية بالمحاكم هى المنوطة بتحديد نظر قضايا الإرهاب ودوائرها، وهذا يضمن سرعة الفصل فى القضايا، فالمادة 86 تضع الفرصة كاملة لرئيس محكمة الاستئناف لتحديد الدائرة التى تفصل ومن خلال الجمعية العمومية، ولا توجد حاجة لضوابط لاختيار أعضاء الدائرة لأن جميع المستشارين القضاة يستطيعون ذلك فى أى اختصاص، وبناء على نصوص مواد القانون، مع أهمية توفير الحماية للقاضى وأسرته لأنه يحاكم مجموعة ارهابية وبتعاون رجال الشرطة، كما أن اختصار النقض لمرة واحدة سيوفر نصف مدة التقاضى وينجز العدالة السريعة، إضافة إلى أن الدستور الجديد ينص على أنواع القضايا التى ينظرها القضاء العسكرى والذى يتولى قضايا الاعتداء على أفراد ومنشآت القوات المسلحة وهو مابدأ تطبيقه بالفعل الآن فى عدة قضايا آخرها قضية أحداث السويس الارهابية المتهم فيها عدد كبير من أفراد الجماعة وقادتها.