تحاول جهات عديدة الربط بين جريمة "شارلي ابدو" الارهابية في فرنسا وجريمة تدمير مبني التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 والادعاء بأن ما شهدته باريس هو 11 سبتمبر فرنسي.. والهدف الواضح من ذلك هو النفخ في الجريمة واستدعاء مناخ الكراهية والتعصب والتمييز العنصري الذي بدأته الادارة الأمريكية في 2001 وانتقل بالعدوي الي العديد من مناطق العالم. ما تريده هذه الجهات هو استثمار الجريمة الارهابية وتوابعها حتي تصبح كلمة "إرهاب" في فم العالم أجمع وذلك لتحقيق مكاسب سياسية وأيديولوجية.. المطلوب ان يتحدث العالم كله عن "الارهاب" بحيث يكون المقصود به فقط الارهاب الاسلامي.. وترتفع الأصابع لتشير فقط إلي الارهابيين الإسلاميين الذين يوضعون في صورة نمطية.. ثم بعد ذلك تستثمر كل جهة هذه الصورة النمطية وفقاً لظروفها واحتياجاتها الداخلية . هناك من يدفع في اتجاه التصعيد.. ويمتعض من أي كلام في اتجاه التهدئة وتفعيل العقل.. مع أن العالم كله يدرك الثمن الذي دفعناه جميعاً من جراء التعامل الأمريكي الأهوج مع جريمة 11 سبتمبر ومناخ الاستقطاب العام الذي تم تصنيعه بسرعة من خلال الاعلان عن: "لماذا يكرهوننا؟!" و"من ليس معنا فهو ضدنا".. وقد أوصلنا ذلك كله إلي كارثة احتلال أفغانستان والعراق.. وهي كارثة حقيقية علي الجميع لم تنتصر فيها أمريكا وحلفاؤها.. ولم ينتصر فيها المسلمون أيضاً. في مواجهة هذه المحاولات التصعيدية هناك الآن من الزعماء من يدرك أن مناخ الاستقطاب والتعصب والاستعلاء القومي سوف يؤدي تلقائياً إلي حركة رافضة في الاتجاه المعاكس ولن يجني العالم من وراء ذلك خيراً.. لذلك اتجهت الأصوات العاقلة إلي نزع فتيل الأزمة.. فتحدث الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند- مثلا- عن أن الاسلام لا علاقة له بالارهاب وأن الحرب علي الارهاب لا تعني الحرب علي الاسلام.. وان المسلمين هم أول ضحايا التطرف وعدم التسامح في العالم.. وأعلنت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل رفضها لدعاوي العنصرية وكراهية الأجانب وتنديدها بظاهرة الإسلاموفوبيا- الخوف من الاسلام- مؤكدة علي أنها بحكم موقعها ومسئولياتها رئيسة لكل الألمان أيا كانت انتماءاتهم الدينية والسياسية. وفي اشارة ذات مغزي قال البابا فرانسيس بابا الفاتيكان أن حرية التعبير حق ولكن هناك حدود عندما تسيء إلي الأديان. ربما يكون هناك إدراك الآن لضرورة النظر بعقلانية لمثل تلك الجرائم الارهابية.. وعدم إثارة التعصب الديني والمذهبي والعرقي حتي لا ينطلق تعصب آخر في الاتجاه المعاكس وندور جميعاً في حلقة مفقودة.. فالمجرم يجب ان يعاقب علي جريمته.. لا أن يعاقب الدين الذي ينتمي إليه علي ما اقترفه واحد من أتباعه.. ولا أن يعاقب المؤمنون بهذا الدين علي ما ارتكبه واحد أو عشرة أومائة ممن يشاركونهم في إيمانهم.. الجريمة تخص من يرتكبها فقط.. والتوسع في التعميم ونشر الفزع بين الناس من دين معين لن يكون في مصلحة أحد. والذين يسعون إلي استثمار مثل هذه الجرائم الارهابية لن يفلحوا.. فقد جرب العالم من قبل مثل هذه الألاعيب وخسر كثيرا.. ووصل إلي نتيجة مؤداها أن التطرف موجود في كل الأديان والعنصرية سوف تولد مزيداً من العنصرية وليس هناك أفضل من التعايش السلمي.. وأن القوة لن تحل مشكلة وإنما لابد من الحوار والتفاهم. العالم تغير.. ولابد ان يتغير المستثمرون أيضاً.. ويطوروا أفكارهم.