كنت قد تعرضت لتغطية الأزمة اللبنانية الناجمة عن سقوط حكومة سعد الحريري. حيث ظهرت معها بوادر أزمة سياسية خطيرة اثارت المخاوف من احتمال تطورها إلي مواجهات ومصادمات في أنحاء شوارع لبنان. لولا ان القيادات السياسية والحزبية حرصت علي الإمساك بزمام الأمور وبضبط النفس. ثم جاء اعلان الرئيس اللبناني ميشيل سليمان تكليف رجل الأعمال السني نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة ليقذف بحجر في المياه الراكدة. من أجل انقاذ الموقف وإنهاء حالة الجمود التي خيمت علي الحالة السياسية اللبنانية. كتبت الموضوع في وقتها وفق التطورات السياسية والاختلافات الحزبية. وتوقعت ان يستغرق تشكيل حكومة ميقاتي المدعوم من جماعة حزب الله وقتا طويلا. وفق ما يفرضه الواقع السياسي اللبناني وما يفرضه الطابع السياسي للنظم أو الجمهورية البرلمانية من ناحية أخري في معالجة مثل هذه المعضلات المتكررة خاصة ان الحكومة التي أطيح بها بفعل فاعل أصرت علي عدم المشاركة في أي حكومة جديدة. توقعت أن يطول أمد تشكيل حكومة ميقاتي وان تواجه العديد من العقبات قبل اعلانها. لكن لم أكن أتوقع ان يستغرق تشكيل الحكومة خمسة أشهر. وجاء توقيت نشر الموضوع مع أحداث الخامس والعشرين من يناير في مصر. والتي غطت علي كل المشاهد السياسية والدولية الأخري ليس في مصر فحسب بل في كل بقاع الأرض. لتخطف سمع وبصر العالم ويتضاءل أمامها بل ويتوه في غمارها كافة الأحداث الأخري بما فيها "تكليف ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة" الأمر الذي حال دون نشره وقتها!! وإذا أردت ان تعرف أحد أكبر عيوب الجمهوريات البرلمانية. فما عليك الا ان تمعن النظر في المشهد السياسي اللبناني المتكرر عند كل مرة تعقب الانتخابات البرلمانية ومحاولات تشكيل تحالفات وتكتلات والمساومات والتربيطات التي تسبق تشكيل الحكومات. وكأنها حالات مخاض عسيرة. أو حتي تلك التي تعقب سقوط حكومة أو الاطاحة بها!! احتاج تشكيل الحكومة خمسة أشهر منذ اسناد المهمة لميقاتي في أواخر يناير 2011 وحتي اعلانها مؤخرا ولا أريد ان أضرب أمثلة أخري لما حدث في العراق واسرائيل. لكن الأمر يشبه كثيرا صالات القمار في الأنظمة البرلمانية الحديثة!! وقد واجهت حكومة ميقاتي أول أزمة مبكرة منذ تشكيلها. حيث أعلن طلال أرسلان الذي أسند اليه منصب وزير الدولة استقالته من منصبه قائلا: كان يتعين علي ميقاتي ان يمنح ممثل الدروز حقيبة أعلي!! وربما تعطينا هذه الأزمة المبكرة لمحة ولو صغيرة عن صعوبة تشكيل الحكومات في الأنظمة البرلمانية التي يحاول كل حزب أو جماعة فيها الاستئثار بأكبر نصيب من الحقائب وبالوزارات السيادية. ولم يكن انشقاق أريل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق عن حزب الليكود وتشكيل حزب جديد بزعامته "كاديما" غير محاولة للبقاء منفردا بالسلطة في اسرائيل ليفعل ما يشاء!! الحكومة اللبنانية الجديدة أسندت 16 حقيبة وزارية للشيعة وحلفائهم من أصل ثلاثين حقيبة وزارية. أي بزيادة عشر حقائب عن نصيبهم من الحكومة السابقة. الحريري رفض الحكومة الجديدة ووصفها بأنها حكومة حزب الله. لكن ميقاتي رد بقوله: ان حكومته تمثل كل اللبنانيين. فلا تحكم علي النوايا والأشخاص واحكم فقط علي الأفعال!! قطعا هناك تخوف من الحقائب السيادية التي بحوزة الحليف المسيحي لحزب الله جنرال الجيش السابق "ميشيل عون" والذي كافح طويلا من أجل تعظيم نفوذه في لبنان والسياسة اللبنانية. ربما يكون الواقع الديمغرافي والتركيبة السكانية للشعب اللبناني وراء هذا الطابع السياسي أو ربما كانت هذه التركيبة هي التي أفرزت هذه الطبيعة والسمة الديمقراطية لهذا البلد العربي. وربما تكون تلك التركيبة الطائفية والمذهبية هي التي أفرزت ذلك النوع من توزيع الحصص السياسية لكافة الجماعات والطوائف والمذاهب. بحيث يكون الجميع ممثلا في الحياة السياسية دون طغيان فئة علي أخري قدر الإمكان!!