قدمت دار الأوبرا حفلين متتاليين لفرقة التراث يعدان من الاحداث الفنية الهامة حيث جاءت في إطار تقليد جيد يتمثل في استضافة بعض نجوم الطرب للمشاركة في الحفل مما يعد متعة لعشاق الموسيقي العربية كما أنه عمل جذب جماهيري جيد لهذه الفرقة الهامة والتي تعد الفرقة الوحيدة التي تمثل امتداداً لأسلوب الموسيقار الراحل عبدالحليم نويرة الرائد المؤسس لهذا النوع من الفرق. الحقل الأول والذي تناولناه الأسبوع الماضي أقيم في معهد الموسيقي العربية بقيادة المايسترو فاروق البابلي وشارك فيه النجم إيمان البحر درويش أما الحفل الثاني والذي نحن بصدده أقامته الفرقة علي مسرح الجمهورية وكان النجم فيه الفنان محمد الحلو وقادة المايسترو الشاب محمد الموجي والمشهور في الوسط الموسيقي باسم حمادة والذي يعد من الفنانين الواعدين في مجال القيادة. برنامج الحفل تتضمن إحدي عشرة فقرة من أداء الفرقة نجح المايسترو في أن يجعلها تتنوع من حيث القالب في بعضها ولها فكرة في البعض الآخر حيث كان هناك الموسيقي والموشح والقصيدة أما الأغنية فقدم لنا مجموعة من أغنيات الافلام المصرية الشهيرة والتي تعد تراثا خالدا للأغنية السينمائية التي تعلق في ذاكرتك وربمها تنسي الفيلم. وبالرغم من أن البرنامج جاء خاليا من قالب "الدور" الذي من عادة هذه الفرقة ان تختتم به برنامجها إلا أن غلبة صيغة الموشح خافظت إلي حدما علي الاطار التراثي حيث استمعنا إلي أربعة موشحات ثلاثة منهم من الرصيد الفني للفرقة وهم "وجهك مشرق بالأنوار" وشدا به عاطف عبدالحميد الذي امتنعنا بتكراره لعبارة "ياعيني خدك وردي" والموشح الثاني كان "شاغلي بالحسن بدر" وألحان عبده قطر وغناء مازن عادل والذي يعد من ريبرتواره ويؤديه بصوت جميل ودقة وموشح سيد درويش الشهير "منيتي عز الصطباري" من غناء المجموعة.. والموشحات من الصيغ التي للمجموعة فيها دور أساسي حتي لو يشارك في غنائها مطرب فردي سواء بالترديد أو بغناء أبيات خاصة بهم أو بالتحاور مع المطرب وهذا ينطبق علي الموشح الرابع "ياعيوني ليه تداري" التي شدت به سارة زكي والذي يعد من الموشحات الحديثة من ألحان الموسيقار الراحل محمد الموجي الذي يبدو أن المايسترو حمادة يحيي تراثه ويعيد اكشافاه وهذا أمر محمود نتمني استمراره بدون إسراف.. الموشح سبق أن أدته وردة في أحد الأفلام السينمائية وفي الحفل جاء أداء سارة متفوقا رغم أنني أنصحها ان تخرج من عباءة وردة. بالنسبة للأغنية السينمائية استمعنا إلي أنغام مصطفي في أغنية "من غير حب" ألحان أحمد صدقي وكلمات بيرم التونسي ولكن أداؤها باهتا علي غير عادتها حيث ولها رصيد فني جيد يبدو انها كانت مريضة أما نجمة الفرقة عزة نصر شدت برائعة رياض السنباطي "إن كنت ناسي أفكرك" أما ياسر سليمان المتخصص في أداء أغاني محمد عبدالمطلب قدم لنا أغنية "يا أهل المحبة" ألحان محمود الشريف ومن اغاني محمد قنديل السينمائية الشهيرة استمعنا إلي أغنية ياحلو صبح وشدا بها مصطفي أحمد وأغنية "يامهون" أداها محيي صلاح والاغنيتان من ألحان محمد الموجي.. ومن أغاني أم كلثوم شتد ولاء رميح بقصيدة "مصر" ورغم أن صوتها جميل لكن جاء أداؤها تقليديا لأن تميز هذه المطربة نجده في أغاني أم كلثوم في الفترة المبكرة حيث نسيج صوتها يتشابه معها.. المايسترو كان مهتما بالتفاصيل وهناك اهتمام بالفرقة الموسيقية التي من الملاحظ أنه أضاف لها حوالي سبعة عازفين من نجوم الفرق الأخري ولهذا عندما استهل الحفل بسماعي نهاوند لعبدالمنعم الحريري جاء الأداء متميزاً وكان خير تقديم لهذه الفرقة.. ولكن مازلنا نحتاج منه فكر موسيقي يناسب الفرقة وطبيعتها. فقرة الفنان محمد الحلو بدأت في منتصف الفاصل الثاني وحرص فيها علي أداء أغاني لموسيقار الأجيال منها حسدوني وباين في عينهم وامتي الزمان والفن وحب الوطن وعشقت روحك ومن أعماله الخاصة أدي أهيم شوقا والتي تعد مناسبة لهذا الحفل وجاء أداؤها جيدا عكس باقي البرنامج باستثناء لحن "فين طريقك فين" لأنه يبدو أن حفلات مهرجان القلعة وجمهورها انعكست عليه حيث نسي أنه أمام جمهور متخصص ومع فرقة أكثر تخصصا فهناك لزم ومقاطع يتم تجاهلها ويقرأ من الورق تقريبا كل الاعمال وكأنه في بروفة لكن رغم كل هذا قابله الجمهور بحفاوة تستحق منه الاهتمام والاستعداد للحفل والالتزام بتفاصيل اللحن وأن يحرص علي ما يعشقه الجمهور الذي ألح في طلب أغنية "عراف" والتي كانت مناسبة للحفل وممكن تعطي ثراء للبرنامج ولكنه أعتذر لعدم التدريب عليها مع الفرقة.. محمد الحلو يعتمد علي النجومية وهي وحدها لا تكفي ولهذا عليه أن يستعد بشكل جيد للحفل ويدرس طبيعة الجمهور والفرقة التي جاء ضيفاً عليها ولكن هذا لا يمنع أنه من أجمل الاصوات علي الساحة والقادرة علي أداء الاعمال الصعبة.