بعد غياب طويل عن مسارح دار الأوبرا المركزية والاقتصار علي العرض بمسرحي معهد الموسيقي العربية والجمهورية وبعد تجاهل متعمد من المسئولين لسنوات طويلة أحيت فرقة التراث حفلاً علي المسرح الكبير بتوجيهات مباشرة من رئيسة الأوبرا الفنان د. ة إيناس عبدالدايم استجابة لنداءاتنا المستمرة علي هذه الصفحة للاهتمام بهذه الفرقة المتميزة التي لديها أفضل الأصوات وتسير علي نهج المايسترو الراحل عبدالحليم نويرة وتحرص علي تقديم التراث بالأسلوب الأكاديمي المتخصص الذي يعد نادراً في الساحة الموسيقية المصرية والعربية. الحفل كان بقيادة المايسترو فاروق البابلي قائد الفرقة والذي كان موفقاً في اختياره لفقرات البرنامج وللأصوات المؤدية ونجح في تقديم فرقته لجمهور هذا المسرح والذي اخذ يسأل عن الفرقة لكي يتتبع حفلاتها. الجميل أن المايسترو اعتمد بالكامل علي أعضاء فرقته ولم يقم باستضافة نجم أو عازف من خارجها وتعمد أن تكون المجموعة بطل متوج ولها دور بارز وليست مجرد كورس كما يحدث في الفرق الأخري.. كما أن جميع المغنيين الفرديين هم أعضاء المجموعة التي تكونت من 18 نجماً تقريباً شاركوا جميعاً في الغناء الفردي. روائع الكبار الحفل جاء متنوعاً في القوالب والصيغ الموسيقية والغنائية حيث تضمن الموسيقي البحتة والموشح والدور والطقطوقة الخفيفة والقصيدة الفصحي والدويتو وتضمن روائع كبار الملحنين "13 ملحناً" في فترات زمنية مختلفة كما كان هناك مجموعة من الأعمال التي تمثل علامات في تراثنا الغنائي. بدأ الحفل بالموسيقي الخالصة أدت المجموعة موشح "في حلل الأفراح" ألحان كامل الخلعي وشاركت أحمد محسن في دور عشقت روحك لمحمد عبدالوهاب واختتمت الحفل في دور "كادني الهوي" لمحمد عثمان وفي الأعمال الثلاثة كان التفرد والتميز وبين البداية والختام جاء الأداء الفردي وكانت هناك دقة حيث حرص كل نجم أن يؤدي ما يناسبه ويجيده فقدمت سوزان مهدي لحن سيد درويش "يقطع فلان" بأسلوبها التمثيلي البسيط وقدم حسام زكريا أغنية محرم فؤاد الشهيرة ألحان الموجي "أوعي تكون بتحب" ومصطفي أحمد قدم لحن كمال الطويل "يالي سامعني" من أغاني عادل مأمون وتفوقت عزة نصر في أغنية شهرزاد "أديني من وقتك ساعة" ألحان السنباطي وكعادة أحلام أحمد في أدائها الفريد للفيروزيات أبدعت في قصيدة "سكن الليل" ألحان محمد عبدالوهاب وياسر سليمان غني لمحمد رشدي "عدوية" ألحان بليغ حمدي وإيمان عزت قدمت "يا ساعة الوقت اجري" لفريد الأطرش وأحمد الوزيري شدي بلحن محمد فوزي "السعد واعدني" ونهي حافظ ومحمد شوقي قدما دويتو "حاجة غريبة" لمنير مراد وهؤلاء جميعاً اشتهروا بهذه الأعمال والتي أيضاً تعد من رصيد الفرقة التي نادراً ما نسمعه في الفرق الأخري. أغان وطنية الحفل كان من أهم ميزاته ثلاثة أمور أولها تقديم صوت جديد لم يظهر إلا في حفل سابق كما أنه قدم إحدي نجماته الشابات في أغنية جديدة وصعبة جداً والأمر الثالث تقديمه أغاني وطنية أحسن المايسترو اختيارها لأنها من الناحية الجماهيرية جاءت متمشية مع الحالة الثورية التي نعيشها ومن الناحية الفنية بها توظيف للمجموعة وغناء جيد من المطرب الفردي.. وفي السطور التالية سوف نلقي الضوء علي هذه الأمور الثلاثة التي تعد أهم ميزات الحفل. الصوت الجديد سارة زكي التي يعد هذا ثاني ظهور لها قدمت أغنية "لعبة الأيام" ألحان السنباطي والتي تعد من عيون التراث جاء أدائها يتميز بالتعبيرية والحساسية تجاه الكلمة واللحن بالإضافة لصوت جميل ومدرب جيداً ذات ملكات وإمكانيات وشخصية خاصة بها وغير مقلدة ولهذا قابلها الجمهور بالترحاب والإشادة وأعادت الكوبليه الأخير بناء علي طلبهم وهي تعد كسباً للساحة الموسيقية.. الأمر الثاني المميز كان تقديم لحن "الطيور" إحدي روائع محمد القصبجي والتي تعد نقطة تطور في موسيقانا وهذا اللحن الصعب أدته بإجتهاد واضح نجمة الفرقة الشابة أنغام مصطفي ويعد إضافة لها وللفرقة.. الميزة الهامة الألحان الوطنية التي جعلت الجمهور يهتفون ويغنون مع الفرقة مثل أغنية "صوت الوطن" الذي أدتها سمر صفوت بصوت كلثومي جميل و"مصر هي أمي" الذي شدت بها هالة هشام وكأن اللحن تم إبداعه من أجلها وهذه الأغاني كانت في الفصل الأول ولكن في الفصل الثاني كانت الألحان التي ألهبت حماس الجماهير منها أغنية "الله يا بلادنا" الذي أداها محيي صلاح وأغنية "دقت ساعة العمل" أداء مازن عادل والذي نجح في جعل الصالة تتفاعل معه حين أصر علي استبدال كلمة 23 بثورة 25 وكان الجمهور يصفق ويردد لازمة "إحنا الشعب" بصوت يرج جنبات الصالة ليضفي علي الحفل الجو الثوري الذي ينتشر خارج القاعة.. وأخيراً الحفل كان إنصافاً للفرقة وأيضاً اختباراً لها اجازته بنجاح.