الرسالة التي وصلتنا من الكونجرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ أثناء الجلسة التي ألقي فيها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كلمته كانت رسالة تاريخية.. حسمت كثيراً من القضايا الجدلية.. وأثبتت أن هذا الكونجرس أكثر تطرفاً في تأييده للفكرة الصهيونية من كثير من الإسرائيليين.. وأنه مستعد للذهاب مع نتنياهو وحزب الليكود إلي أقصي مدي حتي وان تناقض موقفه وتطرفه مع موقف الرئيس باراك أوباما. وقالت الرسالة أيضا وبأوضح لغة إن الكونجرس يضع مصلحة اسرائيل قبل مصلحة أمريكا.. ومن ثم فلا أمل في أن يكون هذا الكونجرس بكل أعضائه الديمقراطيين والجمهوريين شريكا في صنع السلام.. ولا أمل في أن يسمح لأي رئيس أمريكي بأن يكون وسيطا نزيهاً بين العرب واسرائيل. حينما تحدث الرئيس أوباما عن ضرورة حل الصراع العربي الاسرائيلي من خلال التفاوض علي أساس حدود 1967 مع تبادل للأراضي بين الفلسطينيين والاسرائيليين لم يقدم جديدا.. لأنه لم يحصن هذا الطرح باجراءات محددة إذا رفضت اسرائيل في ظل حكومتها النازية الحالية التي يرأسها المتطرف الفاشي نتنياهو. لكن أوباما نزع في الوقت نفسه إلي تحذير العرب والفلسطينيين من الذهاب إلي الأممالمتحدة في سبتمبر القادم لطلب الاعتراف بدولة فلسطين.. معتبراً أن هذه الخطة مرفوضة لأنها تهدف إلي عزل اسرائيل والولايات المتحدة. ورغم هذا الانحياز الظاهر في موقف أوباما إلا أن نتنياهو لم يغفر له حديثه عن حدود ..1967 فسافر مباشرة إلي واشنطن ليتحداه في عقر داره.. وابتدأ زيارته بلقاء مع منظمة "إيباك" أكبر تجمع أمريكي صهيوني مؤيد لاسرائيل.. وحصل علي الضوء الأخضر لينطلق في مواجهته لأوباما إلي أقصي مدي. ثم ذهب إلي الكونجرس وألقي كلمة لأعضاء المجلسين النواب والشيوخ قيل انها كانت كلمة عمره.. فقد حصل بها علي تأييد من الكونجرس لم يحصل علي مثله أبداً من الكنيست الاسرائيلي.. استغرقت الكلمة 50 دقيقة وصفق له خلالها الأعضاء 59 مرة وقوفا.. ما تكاد أجسادهم تلاصق المقاعد حتي يقوموا ثانية من شدة الاعجاب والنشوة بما يقول. في هذا اللقاء انتصر نتنياهو بالضربة القاضية علي أوباما.. بل علي أي رئيس أمريكي آخر يتجرأ علي ذكر حدود 1967. وأثبت أن الكونجرس في جيبه ويقف إلي جواره في مواجهة رئيس أمريكا حتي وان كانت وقفته هذه ضد مباديء السلام التي وضعتها أمريكا ذاتها من قبل. قال نتنياهو بأعلي صوت: * لا عودة إلي حدود 1967 لأنه لا يمكن لإسرائيل أن تدافع عن هذه الحدود بالمعايير الاستراتيجية. * لا عودة لأي حديث عن القدس.. فالقدس الموحدة لن تقسم مرة أخري وستظل عاصمة اسرائيل إلي الأبد. * وجود اسرائيل في الضفة الغربية ليس احتلالاً.. ولا يمكن أن تنسحب من رؤوس الجبال.. فوجودها هناك تمهيدا لعودة المسيح علي الأرض. * لا يمكن الانسحاب من المستوطنات الكبري. * لا حديث عن حق العودة للفلسطينيين. ماذا بقي للمفاوضات بعد هذه اللاءات الحاسمة المدعومة بتصفيق حاد يتلاحق من الكونجرس الصهيوني؟! يقول نتنياهو بعد هذه اللاءات ان اسرائيل لديها استعداد لتنازلات مؤلمة من أجل السلام.. وستكون أول من يعترف بدولة فلسطينية مستقلة ذات حدود.. دولة منزوعة السلاح لا سيادة لها علي البحر ولا الجو.. وسيادتها علي الأرض في يد القوة الاسرائيلية التي تحيط بها من كل جانب بدعوي التواجد الأمني. وهكذا تتضح الصورة بكل معالمها.. رئيس أمريكي ضعيف.. الكونجرس أكثر تطرفا من الكنيست.. نتنياهو يزداد قوة وعجرفة.. فماذا يفعل العرب؟!.. وهل سيظل الفلسطينيون مصرين علي اسقاط خيار المقاومة والتشبث بأهداب المفاوضات إلي مالا نهاية؟! لابد من ظهور خيارات أخري حتي لا تموت القضية العادلة.