ثار جدال وحوارات مثيرة حول تجسيد الأنبياء علي شاشة السينما أو تليفزيونياً. لدرجة أن بعض كبار المثقفين وعلي رأسهم الأستاذ الكبير جابر عصفور وزير الثقافة. فقد رفض رأي الأزهر وأصر في رأيه علي عرض "فيلم نوح" الذي يجسد مسيرة هذا النبي صلي الله عليه وسلم. وقد سمعت هذا الرأي وكثيراً غيره تحت زعم أن ذلك من حرية الرأي وإتاحة الفرصة للإبداع. وأن هيئة كبار العلماء والأزهر ليسوا محاكم تفتيش. متجاهلين قيمة هؤلاء الأنبياء المعصومين وبمفاهيم تحمل نغمة تسيء إلي هؤلاء الرسل وتلك الرموز التي كرمها الله عز وجل. وفي تحد صارخ لآراء كبار العلماء منذ زمن بعيد. وإصرار علي تنفيذ هذه الأعمال مهما تكن الاعتراضات. فعن أي إبداع أو حرية رأي يتحدثون فأي إبداع في قصة نبي جاءت تفاصيلها كاملة في كثير من آيات القرآن الكريم؟ وعن أي حرية يتحدثون؟ أم هي اجتراء علي المقدسات والرموز التي يجب أن تكون بمنأي عن هذا الخلط ونكران قيمة هؤلاء الأنبياء وصيانة لمكانتهم السامية ثم عن أي حرية يتحدثون؟ فهل الحرية تبيح الاجتراء أو التطاول علي الذين عصمهم الله؟! إن هؤلاء الرسل يجب أن يكونوا بعيداً عن هذا التجسيد. حفظاً لمقدساتنا واحتراماً لرموزنا. وهناك آلاف القصص ومئات الآلاف من القضايا التي يجب أن تتناولها الشاشة الفضية أم هي محاولة لتأكيد مبدأ "خالف تعرف"!! ولاشك أن علماءنا قد أجهدوا أنفسهم وبحثوا الأمر من كل الوجوه وانتهي الرأي إلي ضرورة صيانة هؤلاء الرسل وكذلك أصحاب رسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم تقديراً لمكانتهم. فلماذا نهدر هذه الآراء طالما أرتضيناهم كمرجعية في كل شئوننا الإسلامية؟! ثم ان أي ممثل مهما تكن إمكانياته البشرية والأخلاقية والاجتماعية لن يستطيع أداء دور أي نبي من هؤلاء الأنبياء. ومهما تكن قيمة الحبكة الفنية والإبهار الذي يحيط بهذا العمل الفني وذلك التجسيد كل ذلك لن يفلح في إظهار صورة الرسول كما ينبغي؟ أم أنها طبيعة العصر التي تتيح لأي فرد أن يقتحم هذه الساحة المقدسة علي مدي العصور والأجيال. ثم لماذا الإصرار علي رفض اجتهاد العلماء الأجلاء خاصة أننا طلبنا رأيهم في هذه الأعمال؟ إن القلب يقتصره الألم حين نرفض آراء علمائنا بالأزهر ونري آراء تحمل نبرة الإساءة إليهم رغم أن الآخرين في بلاد عربية وإسلامية يقدرون هذه الآراء ويحترمون اجتهادها. وقد رأيت وشاهدت ذلك علي الطبيعة في إحدي البلاد العربية وذلك عندما طلب البعض في هذا البلد رأي فضيلة الشيخ حسانين مخلوف مفتي الديار المصرية في تجسيد صورة الأنبياء والصحابة علي الشاشة أو بالتليفزيون. فأصدر رأيه الذي يتفق مع آراء علماء الأزهر. وقد أذعن هؤلاء لرأي المفتي وامتنعوا عن أداء هذا العمل الفني. احتراماً وتقديراً وصيانة لتلك القامات التي يجب أن تظل مكانتها محفوظة وبعيدة عن الانتقادات وما يجري في هذه الساحات الفنية من مخالفات تتنافي مع أبسط القيم والمبادئ. الكل يري ويسمع لكن كم من المخالفات التي ترتكب باسم الإبداع والحرية وإطلاق العنان لهؤلاء في اقتحام مسيرة هؤلاء الأنبياء. وكم من الكلمات الجوفاء والعبارات المسيئة التي تزف إلي كل من يقف إلي جوار الأزهر وعلمائه. "أمثال كفي جموداً" أن التطور التقني والفني الحديث لم يصل إلي فكر هؤلاء العلماء وغير ذلك من ألوان التطاول والإساءة كثير. يا سيادة كفانا إهداراً لاجتهادات علماء أفنوا حياتهم في خدمة العلم والأمة. يا سيادة إن الأمم ترتقي وتتقدم بآراء علمائها والحضارة تبني علي أساس من القيم والمبادئ التي تصون الرموز وتقدر مكانتهم السامية وأن تتخذ الأمة التدابير التي تحفظ للرموز مكانتهم. وليت الجميع يدرك أن العلماء والأزهر يبدون الآراء ولا يصادرون علي أحد. ولا يعتبرون أنفسهم بأي صورة من الصور بأنهم يمثلون محاكم التفتيش كفانا اتهاماً لهؤلاء الرجال ولماذا التطاول علي كل من يجتهد؟!