يتحدث المهندس ابراهيم محلب رئيس الوزراء عن المستقبل بكلمات إيجابية ومتفائلة.. يقول إن الأسعار سوف تشهد قريباً انخفاضاً ملحوظاً لصالح المواطنين.. ستباع السلع الغذائية بسعر التكلفة.. اتفقنا مع المستوردين والمنتجين علي التوريد وأعددنا منافذ متحركة للبيع.. تطبيق منظومة توزيع الخبز سيضمن حصول المواطن علي رغيف آدمي وصحي بخمسة قروش.. عودة المجمعات الاستهلاكية إلي وزارة التموين لتحقيق توازن في أسعار اللحوم والأسماك والخضراوات وحتي لا يتحكم المحتكرون والتجار في الجمهور. وبكلمات ايجابية ومتفائلة أخري يرسم رئيس الوزراء صورة وردية عن توجهات المستقبل.. فلا بيع للقطاع العام ولا عودة لتشريد العمال وإضافة المزيد من العاطلين إلي طوابير البطالة.. ولا عودة لإهمال المصانع ذات الكثافة العمالية.. بالعكس.. هناك تصميم علي إعادة هيكلتها وضخ استثمارات جديدة فيها لتعود إلي الانتاج بكامل طاقتها حديد حلوان نموذجاً وسداد مستحقات العمال. إضافة إلي ذلك يطمئننا رئيس الوزراء علي المستقبل بالكلمات الايجابية المتفائلة.. فالحكومة تتعهد بالتصدي للفساد ومحاربة الإرهاب ودحره وفرض الأمن في كل أنحاء البلاد والتصدي للبناء علي الأرض الزراعية والتوصل إلي حلول حضارية مدروسة للأزمات المستعصية مثل اضراب الأطباء والاضرابات العمالية عموماً وتدهور أحوال المستشفيات والمدارس والجامعات وتدهور الأجور والمرتبات الذي تشكو منه قطاعات واسعة في المجتمع. حسناً.. كل هذا جميل ومبشر.. ويبعث علي الأمل في الغد.. لكن المشكلة أن هناك عدداً من الوزراء الذين تقع عليهم مسئولية تنفيذ هذه الوعود والتعهدات يتحدثون بلسان مختلف.. وبكلمات أخري تتقاطع وتتناقض مع كلمات رئيس الوزراء.. وهو ما يضعنا في حيرة حقيقية من هذه الكلمات المتقاطعة.. أيها الصواب.. وأيها الصادق. وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر يحدثنا بكل جرأة.. وبلسان عربي فصيح.. عن صيف مظلم قادم لا يمكن أن يخلو من انقطاع التيار الكهربائي.. والناس لابد أن تتحمل وتصبر فهذه هي الحقيقة المرة.. ويؤكد: "إننا لا يمكن أن نضحك علي المصريين بإعلان أن الأزمة ستنتهي خلال عام.. فليس معي عصا سحرية لتحقيق ذلك". وإلحاقاً بهذه المصارحة الشفافة تبشرنا الحكومة بأن الحل الذي توصلت إليه بعد طول بحث ودراسة هو العودة إلي استخدام الفحم في محطات توليد الكهرباء.. والبدء فوراً في تجهيز أرصفة الموانئ لاستقبال الفحم المستورد من الخارج.. أي أننا سنكون مخيرين: إما أن نعيش في ظلام وقيظ بلا كهرباء أو نموت بعوادم الفحم الذي حتماً سيزيد معدلات الإصابة بالسرطان بين المصريين ويعيدنا قروناً للوراء. من زاوية أخري يفاجئنا أشرف العربي وزير التخطيط والتعاون الدولي بالتأكيد علي أنه لا مفر من رفع أسعار الكهرباء والبنزين من أجل الوصول بسعر الطاقة إلي سعر التكلفة وبالتالي خفض الدعم تدريجياً حتي يتم الغاؤه في مدة تتراوح بين ثلاث إلي خمس سنوات. وكما تري فإن هذه التصريحات الصادمة تتقاطع تماماً مع كلمات رئيس الوزراء.. وقد رصدت "الأهرام" هذا التقاطع وسجلته علي صفحتها الأولي يوم الثلاثاء الماضي 15 أبريل تحت عنوان "تضارب حكومي.. أشرف العربي يؤكد رفع أسعار الكهرباء والبنزين.. ومحلب يرد: لا أعلم". قالت الأهرام: "في تضارب واضح داخل الحكومة.. وتحديداً حول قضية الدعم.. كشف أشرف العربي وزير التخطيط والتعاون الدولي النقاب عن نية الحكومة رفع أسعار الكهرباء علي أغني 20% من المواطنين قبل نهاية مايو المقبل.. وكذلك رفع البنزين قريباً جداً.. ورد رئيس مجلس الوزراء المهندس ابراهيم محلب بمجرد علمه بتصريحات العربي بأنه لا يعلم شيئاً عما ذكره الوزير الذي يشارك في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين حالياً في واشنطن". وليس بعيداً عن ذلك تلك الأصوات الحكومية التي تحدثت عن زيادة أسعار مياه الشرب والغاز الطبيعي استعداداً للوصول بهما إلي الأسعار العالمية.. وبالطبع لم تتعرض هذه الأصوات للمستويات العالمية في الأجور التي لابد أن تتوازن مع الأسعار.. بل انها لم تتعرض للحد الأدني للأجور ومعايير العدالة الاجتماعية. علي العكس كانت كلمات هاني قدري وزير المالية أكثر وضوحاً وتحديداً في رسم صورة قاتمة للمستقبل حيث قال إن عجز الموازنة ارتفع إلي مستويات خطيرة والفقر ينمو والتهميش يتمدد وتحقيق آمال المواطنين أصبح مستحيلاً.. وهي كما تري تتقاطع تماماً مع كلمات رئيس الوزراء وتسير في الاتجاه المعاكس لها. صحيفة "المصري اليوم" أكدت في مانشيتات يوم الأربعاء الماضي 16 أبريل توجه الحكومة إلي زيادة الأسعار وخفض الدعم فيما أسمته ب "قرارات مايو الاقتصادية".. وقالت في هذه المانشيتات: "المواطن يدفع فاتورة قرارات مايو الاقتصادية.. خفض الدعم يرفع أسعار بنزين 92 والأسمدة والدقيق والزيوت والحديد والأسمنت". أما صحيفة "الأهالي" المعارضة فقد ترجمت هذه القرارات إلي مدلولات سياسية فقالت في عدد الأربعاء الماضي أيضاً إن حكومة محلب تطبق سياسات صندوق النقد الدولي وتنفذ مقترحات لجنة سياسات جمال مبارك.. أزمة الطاقة مستمرة واتحاد الصناعات يقترح زيادة سعر اسطوانة البوتاجاز إلي 80 جنيهاً وبنزين 80 إلي أربعة جنيهات وبنزين 92 إلي 75.4 جنيه. لا أدري إن كان هذا الاقتراح سوف يتحقق أم لا.. لكن الذي أدركه جيداً أن حكومة المهندس ابراهيم محلب تحولت بفعل التصريحات المتضاربة إلي حكومة الكلمات المتقاطعة. إشارات : * ربما تذهب الحكومة الحالية أو تستمر.. ربما تنجح أو تفشل.. لكننا لن ننسي أنها تعاملت بحسم في هدم العمارات المخالفة وراء المحكمة الدستورية بالمعادي وتعاملت بحسم أيضاً مع فيلم "حلاوة روح" لهيفاء وهبي. * لا يمكن أن تكون مجرد مصادفة.. الأستاذ هيكل يطالب بتحالف وطني أو تجمع وطني بدلاً من الأحزاب.. ثم بعد عدة أسابيع يخرج الأخ توفيق عكاشة علي رأس مظاهرة في العباسية يطالب بإلغاء الأحزاب.. وفي النهاية اللعبة قديمة ومكررة. * كنت دائماً أتساءل عن سر اللدد في الخصومة بين جماعة الإخوان ومن ينشقون عنها.. نفس التساؤل ينتابني الآن عن سر اللدد في الخصومة بين عادل حمودة وأستاذه هيكل.. حمودة كتب عن هيكل في "الفجر" أنه صانع الأكاذيب وأنه أسطورة شاخت في مواقعها.. بينما كتب زميله محمد الباز "هيكل مشخصاتي السياسة". * من رائعة شوقي "مجنون ليلي": أحب الحسين ولكنما.. لساني عليه وقلبي معه.. حبست لساني عن مدحه.. فخاف أمية أن تقطعه.. إذا الفتنة اضطرمت في البلاد ورمت النجاة فكن إمعه".