حدثتك بالأمس عن الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي تولي الخلافة طفلا في الحادية عشرة من عمره وأفسده ناسه حين قبلوا الأرض بين قدميه حتي وصل به الأمر إلي حد ادعاء الألوهية فآمن به من أهل القاهرة أكثر من 17 ألفاً. واليوم دعني أحدثك عن خليفة فاطمي آخر يدعي الآمر بأحكام الله.. تولي الملك وهو طفل لايتجاوز الخامسة من عمره وبقي في الحكم 29 عاما و9 شهور كان في معظمها ألعوبة في أيدي الوزراء ورجال القصر.. ثم انقلب متآمرا وقاتلا وانتهي مقتولا. يصف المقريزي شخصية الآمر فيقول: "كان شديد الادمة.. جاحظ العينين.. حسن الحظ.. جيد العقل والمعرفة.. وكان له نظم في الشعر والادب.. وكان يلقب بسابع الخلفاء الفاطميين. ومن وصف المقريزي لكيفية مبايعة الآمر بالخلافة نعرف ان الوزير الافضل بن بدر الجمالي أمير الجيوش أحضر الخليفة الطفل وبايعه ونصبه مكان أبيه.. ثم ركب الوزير الافضل فرسا واركب الخليفة الطفل "علي حجره" وطاف به الشوارع ليري الناس خليفتهم الجديد.. وبقي الخليفة الطفل في كفالة الوزير الافضل الذي تولي تدبير السلطنة حتي كبر. وكان اول ما فعله الخليفة عندما وصل سن الادراك هو ان قتل الوزير الافضل الذي كان قد استبد بالسلطة في ليلة عيد الفطر.. وتولي الوزير مأمون البطائحي تدبير السلطنة بعد ذلك الا أنه لم يختلف عن سابقه فقبض عليه الخليفة وقتله ايضا. كانت النهاية الطبيعية للخليفة الآمر باحكام الله هي القتل.. ويذكر المؤرخ ابن تغري بردي في كتابه النجوم الزاهرة ان احد المنجمين كان قد ابلغ الخليفة الآمر بأنه سيموت مقتولا بالسكاكين فكان الخليفة يرد لنفسه بين الحين والحين: الآمر المسكين المقتول بالسكاكين.. ويذكر المؤرخون ان قتل الخليفة الآمر كان انتقاما لعمه نزار الذي كان ابوه قد قتله. يقول الدكتور محمد كامل حسين في كتابه "طائفة الاسماعيلية": تاريخها ونظمها وعقائدها ان الخليفة الآمر لم ينجب ولدا يتولي الامامة من بعده حسب مذهب الفاطميين لذلك عين عمه الحافظ عبدالمجيد بن المستنصر اماما بالنيابة أو إماما مستودعا حسب اصطلاح طائفة الاسماعيلية ولكن سرعان مادعا الحافظ لنفسه بالامامة الكاملة بالرغم من معارضة ذلك للتقاليد المتبعة عند الاسماعيلية. وخلال هذه الفترة كانت تحكم اليمن باسم الامام الاسماعيلي في مصر أي الآمر بأحكام الله سيدة تدعي الملكة الحرة أروي بنت أحمد الصليحي لم تعترف بإمامة الحافظ وزعمت ان احدي زوجات الامام القتيل "الآمر" كانت حاملا وانها وضعت ذكرا اسمه الطيب.. وان الامامة حق لهذا الطفل الذي حمله إليها بعض الدعاة المخلصين في "مقطف" حتي تحميه من اذي الحافظ ورجاله. وبالفعل اعلنت الملكة أروي نفسها كفيلة علي الامام الطفل ونائبة عنه في تولي شئون الدعوة الاسماعيلية. وهكذا.. لم يعد التلاعب بعقول الناس وقلوبهم من اختصاص الرجال وحدهم.. بل شاركتهم النساء.. ولعلك تلمس الآن كيف تداخلت العقيدة الدينية مع السلطة الحاكمة في هذه اللعبة القذرة التي تبدأ عادة بالقتل.. وتنتهي أيضا بالقتل.