استطاع الفنان السوري صفوان بهلوان أن يعيد اكتشاف العبقرية والجمال التي تكمن في ألحان محمد عبدالوهاب من خلال روعة الأداء وذكاء الاختيارات وذلك في الحفل الذي أقامته فرقة عبدالحليم نويرة لصالح صندوق العاملين بدار الأوبرا الذي شارك فيه بهلوان متبرعا ولم يتقاض مليما واحدا ولهذا تم شكره وتقديم التحية له عن طريق إهدائه درع الأوبرا الذي سلمه له وزير الثقافة د. شاكر عبدالحميد وسط تصفيق حار من الجماهير التي احتشدت في هذا الحفل والتي جاءت خصيصا لسماع هذا الفنان الذي لم يقدم حفلا في مصر منذ 3 سنوات. الحفل أقيم علي المسرح الكبير وقاده المايسترو صلاح غباشي حيث بدأ الحفل بتقديم جيد لفرقته حيث كان الافتتاح الذي سبق بهلوان فقرة غناء جماعي من منشدين الفرقة لأغنية عبدالوهاب "الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها" تعمد فيها العزف المنفرد لبعض نجوم الفرقة من العازفين وهنا نجده كعادته قدم فرقته وعرف هويتها وانها كيان مستقل بذاته وليست مجرد فرقة مصاحبة. مشاعر وطنية "صفوان بهلوان" تعرف عليه الجمهور المصري منذ بداية التسعينيات حيث قدمه لنا محمد سالم المسئول عن النشاط الثقافي وقتها في السهرة السورية التي كانت تقام وسط السهرات العربية التي تقام في شهر رمضان ثم بعد ذلك كان من النجوم الدائمين لمهرجان الموسيقي العربية وبهلوان نموذج للفنان المثقف الذي إذا نطق جاء حديثه شعرا فصيحا كما انه ليس فقط مطربا وانما هو ملحن ومؤلف موسيقي وشاعر ومواطن عربي واع وهذا كله تجلي واضحا في هذا الحفل حيث بدأ حفله بإلقاء قصيدة عن سوريا تعبر عن شجونه عما يحدث هناك من مجازر ثم ختمها بالشوق لمصر ولنيلها العظيم ثم بدأ فقراته الغنائية محتضنا العود وشدا بقصيدة فلسطين التي مطلعها "أخي جاوز الظالمون المدي" من أشعار علي محمود طه "1902 1949" فأحسن اختيارها وجاءت معبرة عما تمر به أمتنا العربية واللحن من مقام الراست وتم غناؤه عام 1948 ويبدأ بعزف منفرد علي " القانون " كما ان للناي دورا بارزا فيه تضمن البرنامج أيضا أغاني "هليت يا ربيع" أداها بشكل تعبيري مبدع ساعد علي اظهاره التوظيف الجيد للكورال ثم كانت أغنية "حب الوطن" والتي لا تعتمد علي المصاحبة الموسيقية بل علي صوت المطرب والجمع بين التعبير والتطريب وبعدها شدا بأغنية "سهرت منه الليالي" والتي تعد درة الجزء الأول من هذا الحفل فهي تمثل إحدي خطوات عبدالوهاب الهامة في تطور الأغنية العربية وصاغها بإيقاع التانجو الغربي ومقامها الأصلي نهاوند ولكن بها تنويعات لحنية تبرز إمكانيات المطرب وهنا كانت الفرصة سانحة لصفوان ليستعرض امكانيات صوته وليكشف لنا عن جمال هذا اللحن وثرائه وليؤكد انه بارع في غناء عبدالوهاب في فترة الثلاثينيات والأربعينيات والأغنية تتميز ببداية من آلة الأكورديون التي عادت بهذا الحفل إلي فرق الموسيقي العربية بعد اختفائها فترة طويلة. الفنان الفاصل الثاني من الحفل كان عبارة عن رحلة جميلة من غناء صفوان الفردي مع عوده الذي عزف عليه بمهارة وتميز والفرقة الموسيقية لم تصاحبه إلا قليلا وابحر بنا في مختارات من ألحان عبدالوهاب للمطربين عن طريق كوبليهات من الأغاني فاستمعنا إلي ست الحبايب. ودارت الأيام. وفكروني. وشكل تاني حبك انت. وغيرها وتعمد أن يتنقل في سلاسة بين المقامات وأن يلون صوته ويؤدي اللحن من خلال تنويعات تطريبية مع حرصه علي أداء الموال والختام كانت مع الأغنية التي اشتهر بها وينتظرها الجمهور "كل ده كان ليه" خاصة في مقطع "نساني أنام الليل خلاني أبات أناجيه" وهنا نجده يصل للذروة في التغلغل في ألحان موسيقار الأجيال كأنه يقرأها قراءة متفحصة من خلال فهم جيد ومتميز لتفاصيلها أمسية رائعة ألقت ضوءا كاشفا علي إبداعات عبدالوهاب من خلال فنان مثقف عالم بأسرار الموسيقي ومالكا بزمام أدواته الفنية.