ما جري ويجري لجماعة الإخوان لم يكن سوي نتيجة حتمية لسياسة خاطئة انغمسوا فيها عن عمد وبإصرار. ودللت علي أن تفكير جميع قياداتها دون استثناء مطبوعة بطابع واحد لا يختلف من شخص لآخر. لم يظهر في صفوف هذه الجماعة رجل رشيد منذ ظهورها علي المسرح السياسي بعد ثورة 25 يناير.. لم يظهر مثل هذا الرجل ليقول لهم: قفوا وانتبهوا لأن المسار خاطئ وعلينا أن نعيد ترتيب أمورنا وأوضاعنا لنندمج في مسيرة هذا الشعب فصيلاً سياسياً إيجابياً يتواءم مع متطلبات المرحلة. وحتي بعد هبة الشعب بعشرات الملايين في 30 يونيو و26 يوليو لم تستطع الجماعة أن تقرأ الأحداث جيداً. وأجمعت قياداتها للمرة الثانية علي أن تنهج نفس السياسة فوضعوا أنفسهم في مواجهة مع الشعب مغترين بأنهم جماعة منظمة قادرة علي الحشد والتظاهر والاعتصام متوهمين أن كل ذلك سيعيد الأمور إلي ما كانت عليه!! أتأمل وأتساءل: كيف يفكر هؤلاء القوم؟! لماذا لم يدركوا أنهم يلقون بأنفسهم إلي التهلكة؟! وأنهم يندفعون لعملية انتحار جماعية؟! ثم أتساءل مرة أخري: علي أي أساس قرروا أن يستمروا في مواجهة مع الشعب كله؟! هل كانوا يعتمدون علي دعم خارجي يعيدهم إلي الحكم؟! هل وعدتهم الولاياتالمتحدة بذلك وأنها سوف تضغط بأساليب شتي ليستمروا كحلفاء لها ينفذون سياسة تم الاتفاق عليها مسبقاً؟ هل قارنت جماعة الإخوان نفسها بالمعارضة في سوريا واعتقدت أن الحليف الأمريكي ومعه مجموعة دول الذيول الغربية سوف تتدخل لنصرتهم علي حساب شعب قوامه 90 مليون مواطن؟! الأمر يختلف كثيراً ولكن الجماعة لم تفهم ولم ترد أن تفهم وتدرك أن مصر شعب واحد يقف صلباً في مواجهة أي خطر داهم يتهددها. كلما حاولت أن أتغلغل في فكر هذه الجماعة وكيف تخطط لمستقبلها في هذا البلد يقف تفكيري عاجزاً عن تفسير تصرفاتهم.. وهذه هي النتيجة التي أوصلهم إليها هذا التفكير. قد يقول الإخوان أنها مجرد كبوة كالكبوات التي تعرضوا لها علي مدي 80 عاماً وسرعان ما يخرجون منها ليتواجدوا علي الساحة مرة أخري.. وأقول لهم: لا.. هذه المرة تختلف كثيراً.. لأن كبواتكم السابقة كانت مع الحكام سواء في العهد الملكي أو فيما بعد ثورة يوليو وحتي حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.. هذه المرة سقطة وليست كبوة فقد جرت أحداث وسالت دماء كثيرة.. وانقطع الخيط بينكم وبين الشعب. كنتم في تلك الفترات السابقة تتعرضون لاضطهاد الحكام.. وكان الكثيرون من أفراد الشعب يتعاطفون معكم لأن هذا الشعب يرفض الظلم ويكره الظالمين.. والدليل أنه عندما سنحت الفرصة أعطاكم 88 مقعداً في مجلس الشعب من قبل.. ثم عزز ذلك بإعطائكم أكثرية في مجلس الشعب الذي تم حله بحكم من المحكمة الدستورية العليا.. ثم كانت انتخابات الرئاسة وفضل البعض إعطاءكم الفرصة لتجربة جديدة في الحكم تعتمد علي الديمقراطية والتعددية.. لكنكم كنتم بصراحة من الحماقة التي جعلتكم ترسبون وتفشلون بجدارة في التجربة. لم تنتهزوا الفرصة لتثبتوا جدارتكم في حكم مصر.. كنتم تتصرفون برعونة شديدة لإحكام السيطرة والاستحواذ وكنتم كالجائع النهم الذي أراد أن يبتلع مائدة الطعام كلها دفعة واحدة. فإذا بالطعام يقف في حلقه ويصاب بغصة شديدة أزهقت روحه. هذه المرة عداوتكم ومجابهتكم ليست مع الحكومة.. وإنما مع شعب مصر كله الذي اكتشف فيكم ما كان خافياً عليه تحت شعارات براقة تبين أنها شعارات زائفة.. من هنا لن تكون هناك عودة ولن تكون هناك فرصة!! وانطبق عليكم المثل العربي القديم: "الصيف ضيعت اللبن". يا خسارة.. وألف خسارة.