أعرف جيداً لماذا سارعت 10 أحزاب سياسية إلي رفض القانون الجديد لتأسيس الأحزاب.. ولماذا زعمت أن التعديلات التي أدخلت علي القانون القديم تعتبر "صدمة" للرأي العام.. رغم أن هذه التعديلات حققت مطلبين أساسيين هما تأسيس الأحزاب بمجرد الإخطار وإلغاء الدعم النقدي الذي كان يمثل رشوة مقنعة يقدمها الحزب الوطني للأحزاب الصغيرة حتي تسير في فلكه. ذكرت تلك الأحزاب العشرة في بيان نشرته الصحف يوم الخميس الماضي ان التعديلات الجديدة في قانون الأحزاب تعوق تأسيس الأحزاب.. وتعطي الفرصة لقوي بعينها تملك الميزانيات الضخمة لتأسيس الأحزاب.. وهو ما يعد قفزاً علي مبادئ الثورة التي شارك فيها جموع وطوائف الشعب المصري. ولعلك تقف حائراً أمام هذه الرؤية الغريبة التي تنظر إلي قانون يحرر الحياة السياسية من أغلالها.. ويطلق حرية الجماهير في تشكيل الأحزاب علي انه "يعوق تأسيس الأحزاب".. ويتهم حرية الناس في تكوين ما تشاء من أحزاب بأنه "قفز علي مبادئ الثورة".. وكأن الحياة بعد الثورة يجب أن تظل راكدة كما كانت قبلها. ليس هذا فقط. وإنما تبرعت الأحزاب العشرة في بيانها بمطالبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة ب "اتخاذ موقف قانوني واضح من الدعم الخارجي المشبوه لدعم منظمات حقوقية وأحزاب لمنع أي إملاءات خارجية أو فرض أي أجندة". لو دققت قليلا في المفردات المستخدمة في هذا البيان فسوف تكتشف انها مازالت تردد نفس الكلمات التي كان يستخدمها النظام السابق علي لسان مبارك وصفوت الشريف وفتحي سرور. وحتي تكتمل الصورة لديك فلابد أنك تسأل الآن عن هذه الأحزاب العشرة التي ترفض الحرية وتريد العودة بنا إلي الوراء.. وأسارع فأقول إنها أحزاب الجيل الديمقراطي وشباب مصر والشعب الديمقراطي والاتحاد الجمهوري الحر ومصر العربي الاشتراكي والأحرار والعدالة والخضر والتكامل.. وهي أحزاب كما تري تزلزل الأرض بصوتها.. ولها وجود كاسح علي الساحة.. ومن فرط قوتها فقد واتتها الجرأة لا أعرف كيف لكي تعلن ان البيان الذي أصدرته يمثل "بداية لإنشاء تكتل من الأحزاب السياسية والقوي الوطنية والذي من المقرر أن تبدأ أعماله في أبريل الحالي". نحن إذن أمام تكتل قادم للأحزاب السياسية والقوي الوطنية تقوده هذه الأحزاب العشرة.. ويا ويل من يقف في وجهه أو يعترض مساره.. أو ينتقد رؤيته.. لأنه سوف يسيطر علي الرأي العام ويحكم قبضته علي نبض الشارع. لكن المشكلة ان هذه الأحزاب العشرة في أمس الحاجة إلي أن يصارحها أحد بالحقيقة.. وبواقعها المؤلم.. وينبهها إلي أن الدنيا انقلبت رأساً علي عقب.. وأن قواعد اللعبة السياسية قد تغيرت تماماً.. وفي سبيلها إلي مزيد من التغيير خلال الأسابيع والشهور القادمة.. وبالتالي فإن عليها أن تري نفسها في مرآة صحيحة غير خادعة. هذه الأحزاب العشرة في الواقع ليس لها علاقة بالعمل السياسي ولا تعرف شيئا عن نبض الشارع مع كل الاحترام والتقدير لقياداتها وأعضائها ومنهم أصدقاء أعزاء محترمون علي المستوي الشخصي. ولأن هذه الأحزاب لم تبذل جهداً لكي تقرأ اتجاهات الرأي العام قراءة صحيحة فقد تصورت أن تعديلات القانون الجديد "صدمة".. مع أن الأمر ليس فيه صدمة ولا يحزنون.. وإن كان هناك من صدمة حقيقية فإنها قد حدثت بالفعل لهذه الأحزاب وحدها.. وهي لحسن الحظ أحزاب بعيدة عن الشارع المصري ونشأت في ظروف خاصة جداً لتكون مجرد فروع لسيئ الذكر الحزب الوطني. وصدمة هذه الأحزاب جاءت بسبب الفقرة التي وردت في القانون الجديد بشأن إلغاء الدعم الذي كان يقدم للأحزاب من ميزانية الدولة كرشوة سياسية حتي تدخل في حظيرة الحزب الوطني وتمشي في ركابه وتصفق له عند اللزوم.. وأصبح لزاماً علي كل حزب أن يمول أنشطته من تبرعات أعضائه.. ويغلق الباب أمام أي تمويل من الخارج.. درءاً للشبهات. ولا يخفي علي أحد أن كثيراً من الأحزاب كانت تعيش علي هذا الدعم.. وكانت قياداتها تستفيد منه وتعتبره راتبا شهريا وجزءا من دخلها الثابت.. وفي المقابل كانت تعتبر نفسها موظفة لدي الحزب الوطني. لقد تغيرت قواعد اللعبة تماماً اليوم.. وانفتحت كل النوافذ والأبواب أمام الجميع في العمل السياسي.. ولن يبقي في الساحة إلا من لديه فكر ورؤية.. أما النباتات المتسلقة فسوف تذبل وتموت من تلقاء نفسها.