بهرني نموذج "ليلي" في قصة الشجرة "المائلة" وكيف استطاعت تلك الطالبة المجتهدة المتفوقة ان تقاوم ظاهرة الغش داخل اللجان علي طريقتها ووفقاً لنشأتها المتدينة الملتزمة؟! لقد رأيت في ثبات "ليلي" ورفضها القاطع لمحاولات "سرقة مجهودها" وعدم تحرجها في التعبير عن هذا الرفض للمراقبين انفسهم مهما كانت العواقب!! رأيت في ثباتها علي المبدأ "النموذج الأخلاقي الرفيع" الذي أحب لحفيداتي الاقتداء به فدعوتهن وقرأت عليهن قصتها ومدي اعتزاز أمها - صاحبة الرسالة - بها وبطريقتها الرائعة في التعامل مع الأزمات داخل لجان الامتحان.. وكم كانت دهشة حفيدتي من تصرفها العفوي وهي تلميذة بالابتدائي حين وضعت أصابعها في أذنيها حتي لا تسمع الأستاذ مما أثار تعجبه فسألها لماذا تفعلين ذلك؟ أجابت: "هكذا حذرني بابا من الاستماع للأشياء الخاطئة"!! معني أكبر حفرته "ليلي" في ذاكرة حفيداتي حين رفضت مساعدة أحد المراقبين لها قاطعة القول: "أتمني من الله أن يبارك لي في كل كلمة أكتبها بمجهودي"!!.. سلامة نفسية استحقت عنها جائزة من السماء حين التحقت بالكلية التي كادت تفقد الأمل في الالتحاق بها حيث كان بينها وبين درجة القبول فيها نصف درجة!! أثارت قصة الطالبة "المميزة" الغيرة عند حفيداتي فأخذت كل منهن تروي لي عن موقف شهدته أو تعرضت له في لجان الامتحانات.. بدأت "الأولي" تتحدث عن تلك المراقبة التي طلبت منها اعطاء زميلاتها بعض الاجابات لكنها رفضت بشدة وقالت لها مستنكرة: أعطيهن مجهودي! أما "الثانية" فراحت تضرب كفاً بكف وهي تصف حالة احدي المراقبات حين فتحت أمام التلاميذ مجالاً للغش الجماعي مستخدمة في ذلك فعل الأمر "ساعدوا بعض"!! وحينما استشعرت قدوم مفتش الدور صاحت فيهم: "يا ولاد وطوا صوتكم ليفتكروكم بتغشوا"!!.. نظرت حفيدتي لزميلتها ولسان حالها يقول: وإللي بيحصل ده إسمه إيه ؟!! ثم تألقت الثالثة وهي تحكي.. عن هذا النوع من المراقبين الذين لا يورطون أنفسهم في معمعة الغش فما يعنيهم هم أبناء الزملاء والزميلات.. ففي صمت تجده يقترب من ورقة إجابة أحد المتفوقين لتلتقط عينه الاجابة المنشودة ثم يهديها بلا عناء إلي ابن هذا الزميل أو ذاك!! كلام حفيداتي عن أحوال الغش في اللجان والظلم الكبير الذي يتعرض له الطلبة المتفوقون "بخاصة" جعلتني أشعر بوجود إرادة حقيقية من التلاميذ أنفسهم لرفض الغش ومقاومته مما يبشر بأن القادم أفضل.. قادم يحمل عنواناً أكبر "لن أسمح بأن تسرق مجهودي"! فاطمة .ع.ح - الإسكندرية المحررة : ما عبرت عنه حفيداتك ومن قبلهن والدة ليلي في "الشجرة المائلة" هو جزء من حالة عامة صارت تتسم به كثير من تعاملاتنا شخصها الطب النفسي بالانفصام أو "الشوزفيرنيا".. حالة تجعل المراقبة المبجلة لا تري في تداول الاجابات بين التلاميذ غشاً جماعياً بل تعاون محمود وما عليهم سوي التزام الأدب حتي لا تصل أصواتهم للخارج ويساء الظن بهم بأنهم غشاشون!!! إن ظاهرة الغش يتساوي في ذلك الجماعي والفردي لا ترتبط بلجان الامتحانات وحدها إنما هي انعكاس لأسلوب حياة مجتمع غرق في كلمات علي شاكلة: معلهش " ما تحبكهاش " " سيبك " يعني أنا اللي حصلح الكون!! أعود إليك أيتها الجدة المهمومة بحال حفيداتها لأقول إن ما رصدتيه من ظهور إرادة حقيقية عند الأجيال الصاعدة لمقاومة الغش هو نتاج طبيعي بعد الثورة حيث بات الكل يعبر عن رأيه بشجاعة ودون خوف الصغير قبل الكبير الأمي قبل المتعلم والجاهل قبل العالم.. وحان الوقت لكي نعمل وننبذ من حياتنا كل صور الغش والغشاشين مستقبلين الحديث النبوي الشريف: "من غشنا فليس منا".. حفظ الله أبناءنا وهداهم إلي جادة الطريق.