في جميع دول العالم وفي تاريخ مصر القديمة كان فن النحت والفنون عامة تحتل مكانة خاصة.. ولكن الحال في مصر اختلف منذ الفتح العربي.. حتي الفن القبطي تحول الي شكل خاص من الفن الشعبي واستبعد فن النحت من القيام بأي دور اجتماعي أو ديني كما ظهر هذا الدور واستمر في الجزء الشمالي والشرقي من العالم حيث يعتبر الفن هو أحد الأبنية الفوقية في المجتمع. كالعقيدة والفلسفة ونظام الحكم. هذه الأبنية العليا ترتكز علي القاعد الاجتماعية أو البناء "التحتي" الذي يمثل قوي الانتاج وعلاقات الانتاج في المجتمع.. فالبيئة والخامات والتراث يقتصر تأثيرها علي الشكل العام للنحت أو الطابع العام للفن ولكن الأفكار الناتجة عن الظروف الاجتماعية هي التي تحدد دور الأعمال الفنية وتوضح مضمون العمل الفني. الذي يؤثر علي شكله بالضرورة. لقد كانت مصر بلداً زراعياً حتي منتصف القرن العشرين.. فرغم قيام البنوك الوطنية والاتجاه الي الصناعات المعتمدة علي المنتجات الزراعية بعد ثورة 1919. إلا أن الفلاحة كانت هي المهنة الرئيسية للسكان. فكانت بلداً انتاجياً يحتفل ويمجد العمل اليدوي. فكان تأثير البيئة الريفية قوياً علي الفن.. وساد الاتجاه الي التصنيع من عام 1956 حتي 1971 وبعد هذا التاريخ تحققت السيادة للمدينة بدورها التجاري.. فهز هذا التحول أثر البيئة الريفية علي فن النحت. فتغيرت أشكاله وتخلخلت علاقته بالمكان والتراث نتيجة للانقلاب الفكري المصاحب للتحول من الانتاج الي الاتجار. فمن الناحية الاجتماعية شهدت بداية القرن العشرين معالم اليقظة والنهوض فعبرت أعمال الجيل الأول عن معاني المقاومة والانطلاق وابتكار الرموز القومية المملوءة بالأمل والتطلع واليقظة. وارتفع شعار الاحياء لفنون الأجداد متمثلة في استخدام حجر الجرانيت في تمثال نهضة مصر. انتج الجيل الثاني في ظروف انحسار المد الثوري الوطني والأزمة الاقتصادية العالمية "1930 1933" ثم التصالح مع المحتلين بتوقيع معاهدة .1936 خرج الجيل الثالث ثائراً متمرداً خلال الحرب العالمية الثانية ومرحلة الغليان الوطني في أعقابها. أما جيل الوسط فقد شهد حل الأحزاب وتجريم العمل السياسي والفكري ثم المد الوطني الكاسح في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956 والتحول بعده الي التصنيع والبناء. وكانت هذه السنوات سنوات انتاج وتحول سريع الايقاع.. ولكن مشروع اقامة "دولة صناعية مستقلة اقتصادياً" هزم في حرب 1967 ثم تحول الاتجاه في حقبة السبعينيات وما بعدها الي الاقتصاد التجاري والاستهلاكي. وهو يختلف عن الاقتصاد الزراعي والصناعي في أنه غير منتج من ناحية وفي تعاظم سلطة وسيطرة المدينة وخاصة العاصمة ثم الموانيء التجارية.. من ناحية أخري. نستطيع أن نلاحظ تأثير هذه المرحلة علي أعمال النحاتين الذين عملوا في ظلها وتأثروا بها. وحاول بعضهم أن يشارك فيها أو يعبر عنها.