أكدت د.نادية عبدالفتاح بمركز الدراسات والبحوث الإفريقية بجامعة القاهرة أن خيار الانفصال لجنوب السودان لن يؤثر علي حصة مصر من مياه النيل خاصة في المستقبل القري بحيث إنه لا يمكن في هذا الوقت إقامة سدود لتخزين المياه بسبب طبيعة المنطقة وإمكانية تعرضها للغرق.قالت في حوارها ل "المساء" إن التهديد فقط يمكن أن يحدث في المستقبل وفي حالة وجود حالة من التناحر والصراع بين دولتي الجنوب والشمال أو رغبة الجنوب في السيطرة علي كامل الأراضي السودانية. أضافت أن مصير الاتفاقيات الثنائية ومعاهدات التكامل بين مصر والسودان تحددها الرؤية الخاصة لمصالح كل دولة خاصة دولة الجنوب. أوضحت أن مصر مطالبة بإيجاد علاقات متوازنة مع جميع الأطراف تؤدي في النهاية إلي الحفاظ علي مصالحها الاستراتيجية في المنطقة والانتباه لمحاولات الدائمة من جانب العديد من القوي للحد من هذا الدور. * قلنا لدكتورة نادية عبدالفتاح.. رغم أن نتيجة الاستفتاء علي انفصال جنوب السودان لم تعلن رسمياً إلا أن الشواهد تؤكد أن الاختيار سيكون للانفصال فما تأثير ذلك علي مصر؟ ** إذا تأكد خيار الانفصال من جانب الجنوبيين فبالتأكيد سيكون له "آثاره السيئة علي المصالح الاستراتيجية بصفة عامة ولكن فيما يخص حصة مصر من مياه النيل وهو الذي يشكِّل هاجساً لدي الكثيرين فلا أعتقد أن الانفصال سيمثل تهديداً علي الأقل في الوقت الحالي لأسباب عديدة يأتي علي رأسها أن حصة مصر من مياه النيل تتشكل من مصدرين أساسيين.. من النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا في أثيوبيا ويمر ببعض الأراضي في جنوب السودان وهذا الجزء يمثل 15% فقط من حصة مصر المائية ومن ثم فهي جزء ضئيل والمصدر الثاني الذي يمثل 85% يأتي من النيل الأبيض الذي يقطع أراضي الجنوب بالكامل وهذا أيضاً من الصعب منعه عن مصر لأنه من الصعب إقامة منشآت وسدود في هذه المنطقة بغرض حجز المياه لأنها منطقة مستنقعات وفي حالة حجز المياه ستغرق المنطقة بالكامل ولكن هذه العوامل لا يجب أن تجعلنا نطمئن كثيراً فالخطورة كما قلت لن تكون في المستقبل القريب ولكننا يمكن أن نتعرض لتهديد في المستقبل إذا كان هذا الانفصال بداية من جانب أهل الجنوب للسيطرة علي السودان بالكامل أو وقوع مشاكل وصراعات بين الجنوب والشمال لأن هذه الخلافات سيكون لها تأثير سييء علي خزانات النيل الأزرق وفيما يخص المصالح الاستراتيجية لمصر في السودان وأفريقيا فهذا الانفصال سيكون له تأثير سلبي بكل تأكيد عليها وسيكون بداية لصراع بين الجنوب والشمال وهو ما سيؤدي إلي سوء العلاقات العربية الأفريقية التي تعاني من تراجع في الأساس. الناحية القانونية * وماذا عن تأثير الانفصال علي حوض النيل وهل سيكون له تأثير أيضاً علي زيادة الخلافات بين الأعضاء المنتمين له وتحديداً بين دول المنبع ودولتي المصب مصر والسودان؟ ** من الناحية القانونية ليس هناك أي مخاوف علي الحصص التي حددتها الاتفاقيات الثنائية والثلاثية التي تنظم هذا الأمر ولكن علي أرض الواقع بالتأكيد الدولة الوليدة ستكون بحكم الانتماءات العرقية والدينية أقرب إلي دول المنبع وهذا لا يضير طالما أن هذا لا يؤثر علي مصالح مصر والسودان ولكننا في نفس الوقت أمام إشكاليتين الأولي في البند الخامس من الفقرة الثانية في اتفاقية 1959 التي تعترف بحق الدول الشاطئية الجديدة في حصة من المياه وأن يبحث هذا الأمر مصر والسودان ويتفقان علي رأي معين يحدد هذا النصيب من المياه بشرط أن يقتطع من حصة الدولتين وفي هذه الحالة ستكون مصر المتضرر الأكبر لأنها بدأت تعاني في الأساس من نقص في المياه أما السودان فلا توجد به هذه المشكلة بل علي العكس هو يعاني من وجود فائض لا يستطيع استخدامه بجانب أنه بحكم قرب الجنوب كما قلت من دول المنبع فسيحدث اختلال في ميزان القوي فبعد أن كان 8 دول في مواجهة دولتين سيصبح هناك 9 دول في مواجهة مصر والسودان. تعديل الاتفاقيات * وما رأيك فيما يقال من أن دولة الجنوب الوليدة يمكن أن تطالب بحقوق أكثر في نهر النيل معتمدة علي وجود بند في القانون الدولي يمكن من خلاله التنصل من الاتفاقيات في حالة وجود تغير جوهري في الظروف؟ ** هذا الأمر ليس مقصوراً علي الدولة الوليدة ولكنه سياسة تتبعها العديد من دول المنبع حيث ترفع دائماً شعار أنه يمكن تعديل الاتفاقيات المنظمة لحصة الدول من النيل بحجة أن هناك بندا في القانون الدولي ينص علي أنه يمكن إحداث تعديل في الاتفاقيات في حالة وجود تغيرات جوهرية وهم يعتدون علي أن هذه الاتفاقيات تمت في ظروفا قتصادية مغايرة لما هو موجود الآن بجانب انها تمت وهذه الدول تحت الاحتلال ولكن هذه الاتفاقيات لحسن حظ مصر والسودان ملحقة باتفاقيات الحدود وأيضاً القانون الدولي ينص علي أن اتفاقيات الحدود آلية ولا يمكن التنصل منها أو تعديلها تحت أي سبب من الأسباب. * يوجد بين مصر والسودان اتفاقيات عديدة منها التكامل الزراعي والحريات الأربع فما مصيرها في ظل الوضع الجديد؟ ** الاستمرار في تنفيذ هذه الاتفاقيات من عدمه سيكون وفقاً لإرادة الجنوب ورؤيته ومصالحه من جراء هذه الاتفاقيات فهذا حق أصيل له أما فيما يخص الحدود فهي ثابتة كما قلت ولن يستطيع أحد أن يمسها طبقاً لنصوص القانون الدولي. مراعاة التوازنات * وما توقعك لشكل العلاقة بين مصر والدولة الوليدة من جانب والسودان من جانب آخر؟ ** تحقيق المصالح المصرية العليا يحتاج إلي مراعاة العديد من التوازنات في علاقتها بالدولة الوليدة في الجنوب أو بالسودان حتي لا تكون علاقتها بدولة علي حساب الأخري خاصة في كل ما يُثار عن تدخل القوي الإقليمية في المنطقة ورغبتها في الحد من الدور المصري وكذلك الدور الذي تلعبه إسرائيل في هذا الإطار ويجب أن يكون واضحاً أن مصر والسودان تربطهما علاقات تاريخية أزلية وكذلك مصر والجنوب يوجد بينهما مصالح مشتركة واحتياجات متبادلة ولهذا يجب أن تستثمر مصر ما تمتلكه من أدوات تأثير بطريقة مباشرة وغير مبشرة لإقامة علاقات متوازنة مع كل الأطراف حتي لايري طرف أن علاقة مصر مع الاخر تمثل انتقاصاً من العلاقة معه.