لأول مرة ستقتصر الدورة القادمة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب علي الكتاب وحده. هذا ما أعلنه د. محمد صابر عرب رئيس هيئة الكتاب. بعد أن ينتقل المعرض إلي موقعه الجديد في قاعة المؤتمرات بمدينة نصر. وقد دعت هذه الصفحة- أكثر من مرة- في مواجهة الأزمة المعلنة في صناعة الكتاب- إلي ضرورة طرح مشكلة الكتاب من كل جوانبها في إحدي دوراته.. وهو ما تتيحه هذه الدورة التي تطالعنا بعد أيام. يذهب د. محمد زكريا عناني إلي أن أهم ما ينبغي أن يعني به المعرض هو المنافسة بين الكتاب الورقي والتقليدي. والتي تشي ظواهرها أن الغلبة- في النهاية- ستكون للشبكة العنكبوتية. وهو ما تجلي بالفعل في احتجاب الكثير من الدوريات والمجلات المحترمة. بعد أن اضطرت للخروج من السباق لعدم القدرة علي التنافس. كما أن أرقام المبيعات تشهد تدنياً في أسعار كل من المطبوعات الورقية. بداية من الكتاب. وحتي النشرة الصغيرة. أهم روائيينا علي الإطلاق نجيب محفوظ. شهدت مبيعات كتبه- علي سبيل المثال- تراجعاً من عشرة آلاف نسخة في العام إلي ثلاثة آلاف نسخة. تظل مودعة في المخازن لسنوات متتابعة. وكان ذلك- بالطبع- هو مصير كتب أخري لمؤلفين آخرين. صدرت عن الناشر نفسه. مما دفعه إلي الاكتفاء بنشر كتاب التراث سعياً للربح المضمون. وكما نري فإن الناشر الجديد لمحفوظ يحاول أن يختزل فرصة الكسب. فيحصل من الكتاب الوحد علي أرباح بضع نسخ مما كان يصدره الناشر الأول.. ونتيجة ذلك هي ضيق قاعدة قراء الكتاب الورقي. وانصرافهم إلي كتب الانترنت. أو إلي التخلي عن القراءة عموماً. المشكلة أخطر من أن نتجاهلها. بل إن المعرض يجب أن يخصص أكثر من ندوة لمناقشة هذه العلاقة الملتبسة. بحيث يلتقي الخطان المتوازيان. بما يحقق الفائدة للكتاب الورقي. وللكتاب الإلكتروني. ويحقق الفائدة للقارئ والثقافة العربية عموماً. ويري د. ماهر شفيق فريد أن هناك قضايا كثيرة تستحق أن تناقش في معرض الكتاب. لكنني أتوقف عند قضية واحدة أراها ذات أهمية خاصة هي: ما الذي يجب أن يترجم من الأدب العربي المعاصر إلي اللغات الأجنبية؟ من الواضح أن هذه العملية لا تتبع خطة منظمة. إنما هي متروكة للصدفة والعشوائية من ناحية. والأمزجة الفردية والعلاقات الشخصية من ناحية أخري. والنتيجة هي أن كثيراً من كتب الأدب العربي المعاصر المترجمة. والصادرة عن هيئة الكتاب. وعن وزارة الثقافة. وعن الجامعة الأمريكيةبالقاهرة. لا تمثل خير ما في هذا الأدب.. هل يعقل- مثلاً- أن نجد أربع روايات مترجمة إلي الإنجليزية لمحمد السنباطي. علي حين لا نجد أقصوصة واحدة مترجمة إلي هذه اللغات للقاص الرائد محمود البدوي؟! وهناك غياب تام للمنجز النقدي العربي عن اهتمامات المترجمين. فنحن بحاجة إلي كتاب يضم مختارات من أفضل الكتابات النقدية لمندور والقط ولويس عوض والراعي وشكري عياد وعز الدين إسماعيل منقولة إلي الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية. وغيرها من اللغات. وهذه- فيما أتصور- مسئولية مشتركة بين هيئة الكتاب وأقسام اللغات بالجامعات. ومركز اللغات والترجمة التخصصية بجامعة القاهرة وكلية الألسن. والمعرض مناسبة ملائمة لبحث هذه القضية. وفي تقدير الشاعر هارون هاشم رشيد أن النشر هو القضية التي يجب أن يتصدر المعرض لمناقشتها. هو معرض للكتاب. ولابد أن يكون له من اسمه نصيب. لا يختلف اثنان علي أن عملية النشر في أزمة. تجلياتها تلك القوائم التي تجعل الكتاب يصدر بعد سنوات من تقديمه للنشر. وقد يضطر صاحبه إلي سحبه بعد تبينه أنه قد تجاوزه. وأن الكتاب لم يعد يمثله. وثمة ناشرو القطاع الخاص الذين يصدرون الكتب وفق قناعات خاصة. موضوعية أو العكس. فعملهم يسير علي تصورات بالربح أو الخسارة. والنتائج تعود عليهم في النهاية. وعلي اتحاد الناشرين كذلك أن ينهض بدوره في إنقاذ الأدباء وعملية النشر بعامة. بالقضاء علي ظاهرة ابتزاز المبدعين وسلبهم إمكانياتهم المادية الضعيفة. بفرض أسعار قاسية لنشر الكتب. يرضخ المبدعون لما يشبه عقود الإذعان. فقوائم النشر في دور النشر الحكومية. واقتصار النشر علي اسماء محددة في الدور الخاصة. يدفع المبدعين لقبول النشر لقاء ما يحدده الناشر الذي لا صلة له بعملية النشر أصلاً. هذه الظاهرة المؤسفة يجب أن تختفي. فقد أفضت إلي تنازل البعض عن أموال يحتاجها لطبع كتابه. وأصدر البعض أكثر من كتاب لأنه يمتلك المال الذي يجعله مبدعاً بفلوسه. أما الأدباء الحقيقيون والذين يودعون الأدراج أعمالهم. فلهم الله! وإذا كان الكتاب يشهد تدنياً في أرقام التوزيع. فإن الحلول- كما يقول كاتب أدب الرحلات- حسين قدري- ليست مستحيلة. الأمر يحتاج إلي مراجعة ودراسة ومناقشات جادة للتوصل إلي تلك الحلول. ولعلي أقترح أن تنهض أكثر من جهة بمسئولية نشر الكتاب. ووصوله إلي أوسع قاعدة. فعلي المسئولين عن تزويد النشر في الهيئات الحكومية أن يقصروا الاختيار علي ما يستحق القراءة بالفعل. ولا توزع علي المكتبات كتب طافحة بالرداءة. إن وضع كتاب في مكتبة ما يعني أنه يستحق القراءة. وهو ما يغيب- للأسف- عن كتب تمت الموافقة عليها بواسطة فتح الأدراج. دون وازع من ضمير. وتعلو الأرفف كتب لمن يدفع أكثر وليس لمن يؤلف كتاباً يحمل قيمة إيجابية. وبتعبير محدد. فإنه علي لجان التزويد أن ترفض الابتزاز والمجاملات وغيرها من الظواهر السلبية التي تجعل من وصول الكتاب الحقيقي إلي قرائه ضرورة. كما أنه من واجب الوزارات والهيئات الحكومية أن تخصص جانباً من ميزانياتها لتنشط صناعة الكتاب. بحيث يتجاوز التوزيع ما نراه الآن من أرقام تدعو للأسي. حتي هيئة الكتاب التي كانت تطبع ثلاثة آلاف نسخة من الكتاب الواحد. اقتصرت الآن علي طبع ألف نسخة. وثمة ناشرون يطبعون بمئات وربما عشرات الكتب. ضرائب علي الكتب ويضع الباحث حسين عبدالعظيم مشكلة الكتاب علي عاتق وزارة المالية التي تصر علي تحميل ما يتصل بصناعة الكتاب ضرائب لا تتفق مع ظروف التوزيع. ولا مع اعتبار القراءة أمراً مطلوباً وملحاً. لأن الاهتمام بالثقافة والمعرفة يساوي الاهتمام بالصحة والتعليم والمشكلات الاجتماعية. أن نتيح القراءة بمقابل رمزي. فإننا نسهم في تطوير المجتمع. وفي تقدمه. ونبذه كل مظاهر التخلف وفقدان الوعي. بل إني أضيف بأهمية أن ندعم صناعة الكتاب مادياً. وليس العكس. فأسعار الورق ترتفع بصورة لافتة. وأسعار الخامات تحتاج إلي ضبط وربط. والهدف الذي يجب أن نتجه إليه هو أن يصل الكتاب إلي يد قارئه بسعر معقول. من حق مشروع القراءة للجميع أن نشيد به. فقد أحدث تأثيراً إيجابياً في سوق القراءة. لكن هذا التأثير يجب أن يتسع. فلا يقتصر علي مشروع واحد. وإلا كنا كمن يفوض نادياً رياضياً واحداً أن يمارس كل الألعاب. ويشارك في كل البطولات. بحيث تضطر الأندية الأخري إلي إيقاف أنشطتها. إن سوق القراءة في دول العالم ترتفع أرقام مبيعاتها إلي ملايين. وعلينا أن نجد الوسائل ليس للاقتراب من تلك الأرقام. وإنما لمجاوزة الأرقام المتدنية. الحالية.