تبرئة قاتل.. خير من إعدام بريء.. هكذا يقول الشرع.. وبه ينطق ضمير القاضي.. وإذا لم يستطع القاضي- لأمور غمت عليه - أن يقتص من القاتل. في الحياة الدنيا.. فإن الله يقتص للمقتول يوم لا يخفي علي الله خافية. نسمع في هذه الأيام عن استعدادات جماهير النادي الأهلي للتظاهر يوم 26 يناير الحالي. وهو اليوم الذي سيصدر فيه الحكم في قضية قتل مشجعي النادي الذين زحفوا إلي بورسعيد لتأييد فريقهم. ولقي في تلك المجزرة المدبرة 74 شابا مصرعهم من مشجعي النادي. ونسمع تهديدات بأن الأحكام اذا جاءت مخففة أو بالبراءة فإن جماهير الأهلي لن تسكت. وسوف تظل علي أهبة الاستعداد حتي تأخذ بالقصاص للشهداء. في نفس الوقت فإن جماهير بورسعيد خائفة علي المتهمين الذين قدموا للمحاكمة.. وتخشي هذه الجماهير علي المتهمين أن يتعرضوا للاعتداء أو القتل من قبل جماهير الأهلي إذا لم تعجبهم الأحكام!! ولذلك قيل إن المتهمين لن يحضروا جلسة الحكم خوفاً من حدوث ما لا يحمد عقباه. والحقيقة أن كل هذه الأمور تخرج عن سياق المنطق والقيم القضائية التي سادت مصر عشرات إن لم يكن مئات السنين.. فالقضاء في مصر منزه عن الهوي.. ومحكمة الجنايات التي تنظر القضية ليست مشكلة من قاض واحد بل من أكثر من قاض. وأحكامها بالادانة أو البراءة إنما تنبع من ضمائر هؤلاء القضاة وهم لا يتأثرون بالرأي العام سواء أكان مع الإدانة أو البراءة. هيئة المحكمة أمامها متهمون. وأمامها نيابة عامة تمثل المجتمع وتدافع عن حقوقه. وأمامها محامون يدافعون عن المتهمين.. وأمامها أوراق ومستندات.. ومن وحي هذه الأوراق وما تنطوي عليه من أدلة ومن وحي دفاع النيابة العامة عن حق المجتمع.. ومن وحي الدفاع عن المتهمين تكوِّن المحكمة عقيدتها وتصدر حكمها مراعية فيه ما ارتاحت إليه ضمائرها وما وقر في قلوب أعضائها سواء بالإدانة أو البراءة. دم الشهداء غال وعزيز.. وهؤلاء الشباب راحوا ضحية عمل إجرامي مخطط ومدبر له.. ونحن نتمني أن تصل المحكمة إلي المجرم المحرض والمجرم المنفذ حقيقة.. لأن الأخذ بالشبهات في مثل هذه الأمور محرم شرعاً وقانوناً.. فاذا جاءت الأحكام قاسية فمعني ذلك أن المحكمة تأكدت من الأدلة بأن هؤلاء المتهمين مدانون ومرتكبون للجريمة. وإذا جاءت الأحكام بالبراءة فمعني ذلك أن الأدلة لم تكن كافية للإدانة. وفي كلتا الحالتين علينا أن نرضي بالحكم الذي تصدره المحكمة لأنه لا أحد يرضي ببراءة مجرم ولا باعدام بريء. نحن نريد صوتا عاقلاً يستمع لرأي عاقل.. وكفي مصر ما تشهده من اضطرابات ومشاكل تعيدنا للخلف ولا تتقدم بنا إلي الأمام.