الموقف المائي يزداد خطورة كل يوم.. فالمسئول الأول عن الري في مصر يعترف بأننا سنعاني عجزا في المياه ثم الوصول إلي مرحلة الندرة.. ووزير الخارجية الاثيوبي يحذر مصر من أيام صعبة تنتظرنا. خبراء الري والمياه وصفوا الموقف بأنه شديد التعقيد بعد أن تعاملنا مع هذه القضية ببساطة ولم نعط الاهمية المطلوبة لبناء السدود علي مجري النهر وقيامنا "بتسييس" الملف المائي.. حذروا من التوقيع علي اتفاقية عنتيبي التي تعني التنازل عن حقوقنا التاريخية في مياه النهر مؤكدين أن القوانين والمعاهدات وحدها لم تحقق الحفاظ علي حقوقنا. أشاروا إلي أهمية وجود شراكة حقيقية تحقق الفائدة المتبادلة مع دول المنبع والاتجاه إلي معالجة مياه الصرف والري وسرعة تنفيذ المشروعات المتوقفة مع الجانب السوداني والاثيوبي. * د. مغاوري شحاته خبير المياه ورئيس جامعة المنوفية سابقا يربط بين تصريحات وزير الري عن الخوف من دخولنا مرحلة الشح المائي قريبا وبين تصريحات وزير الخارجية الاثيوبي منذ أيام عن أن مصر يجب أن تنتظر أياماً صعبة فيما يخص المياه ورغم ذلك لم نتحرك واعتمدنا علي تبسيط الأمور وتصورنا أن الحل يمكن أن يأتي دون تحرك حقيقي وفاعل. أضاف أننا الآن امام مجموعة من الحقائق يجب أن نتعامل معها بكل اهتمام.. الأولي أن مصر ستعاني عجرا في المياه ثم شحا ثم نصل الي مرحلة الندرة.. والثانية التأكد من ان السدود الاثيوبية سوف تساعد علي زيادة العجز المائي وأنه من الخطأ الشديد بل القاتل ان نقوم بالتفاوض بشأن المدة التي يجب أن يستغرقها ملء سد النهضة لتوليد الكهرباء ما بين سنتين أو ثلاث فالتفاوض بهذا الشكل يعني تأجيل الخطر فقط والمفروض أن يتم التباحث علي اقامة السد من عدمه لتأثير ذلك السلبي علي مصر.. والثالثة أن المياه ليست قضية حكومات أو وزراء ولكنها مستقبل شعوب. أكد أن الحل يجب أن ينطلق من مجموعة ثوابت يأتي علي رأسها عدم التوقيع بأي شكل من الاشكال علي اتفاق عنتيبي لأن ذلك يعني ببساطة اقراراً بالتنازل عن حق مصر التاريخي في مياه النيل.. بالاضافة إلي التحرك علي مستوي شعبي لمساندة الحكومة كما فعل الراحل مليس زيناوي حيث اعتمد علي أن موضوع المياه يمثل كرامة وطن وايضا يجب أن نفعل ذلك فهو أمر يمس السيادة الوطنية وهذا ليس استنفارا للقوي ضد شعب أفريقي ولكن الأمر يتعلق بمستقبل الشعب. والأهم وجود إجراءات وسياسات مائية أكثر رشادة سواء في مياه الري التي تستهلك 40 مليار متر مكعب تمثل 60% من حصتنا .. ومياه الشرب التي تستهلك 9 مليارات متر مكعب يفقد منها 3 مليارات متر مكعب مياه معالجة في غسيل السيارات وري الحدائق ورش الشوارع.. واعادة تدوير ومعالجة مياه الصرف الصحي والصرف الزراعي حيث توجد تكنولوجيات حديثه تتيح لنا امكانية استخدام المياه المعالجة 4 أو 5 مرات. اشار إلي أهمية تنظيم البحث عن المياه الجوفية دون افراط بمعني أن يتم تحديدها أولا بكل دقة علي مستوي الاراضي المصرية والسحب منها بشكل يتناسب مع كمياتها وفي الاغراض الضرورية فقط حتي لا يتم استنزافها. رؤية متكاملة * د. عبد الفتاح مطاوع نائب رئيس المركز القومي لبحوث المياه وعضو المجلس العالمي لحكماء المياه .. أكد أن المشكلة أنه لم يتقدم أحد حتي الآن برؤية متكاملة توضح كيفية توفير المياه لمواجهة الزيادة السكانية الرهيبة التي قاربت علي ال 90 مليون مواطن. طالب بالعودة إلي تنفيذ المشروعات التي ترتبت علي اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان ومنهما 3 مشروعات مهمة هي قناة جونجلي وبحر الغزال وقناة مشار حيث يمكن أن توفر هذه المشروعات 18 مليار مكعب سنويا نصفها لمصر والنصف للسودان.. كما أن هناك مشروعات أخري مع اثيوبيا كانت ستوفر 12 مليار متر مكعب في منطقة "البارو اكوبو" جنوب غرب اثيوبيا. أضاف أن المشكلة الكبري أنه تم "تسييس" ملف المياه في السنوات الأخيرة واختيار مسئولين لا يمتلكون الخبرة أو الكفاءة في التعامل مع الشخصية الافريقية . أوضح أننا يجب ان نتحرك علي الصعيد الاقليمي والداخلي ففيما يتعلق بالصعيد الاقليمي لابد من البناء علي الزيارات الشعبية التي تمت في اعقاب الثورة وايضا تنفيذ المشروعات الداخلية التي تم دراستها منذ عام 1999 وخاصة بانشاء "سد عالي" جديد داخل بحيرة ناصر يوفر 2 مليار متر مكعب سنويا وكانت تكلفته لا تتجاوز 7 مليارات جنيه والآن نحتاج الي تحديث الدراسة للبدء في التنفيذ فورا لأنه ايضا سيزيد الطاقة الكهربائية الناتجة عن السد العالي بنسبة 20% تقريبا وهناك جهات تمويل دوليه يمكن أن تساهم في تكلفة هذه المشروعات حيث ثبتت جدواها الاقتصادية. المصادر الطبيعية * د. محمد جابر محمود عضو مجلس الشوري ورئيس أحدي شركات تكنولوجيا المياه يري أن نقص المياه من المصادر الطبيعية مثل الانهار والبحار يمكن تعويضه من خلال ايجاد مصادر بديلة مثل معالجة مياه الآبار واعادة تدوير مياه الصرف بعد معالجتها وتحليه مياه البحر. أوضح ان مصر تمتلك في كل هذه المجالات تكنولوجيا متقدمة والخبرات والكفاءات ولكن المشكلة في التكلفة العالية خاصة في مجال تحلية مياه البحر علي الرغم من أن دولاً أخري في العالم اتجهت اليها واعتمدت عليها بشكل كامل في ظل معاناتها من نقص المصادر الطبيعية. أضاف أن المشكلة في مصر أننا اعتدنا علي السهولة ولا نحاول طرق مجالات جديدة وإن كان سيكون أمرا لابد منه خاصة في ظل تنامي الزيادة السكانية وحصه مصر الثابته في مياه النيل والتي تتعرض هي الأخري لمخاطر عديدة. أوضح أن التوسع في معالجة مياه الصرف الصحي يمكن ان توفر لمصر 50% من قيمة استهلاكها من مياه الشرب. أسباب عديدة * د. نادية عبد الفتاح بمعهد الدراسات الافريقية تصف الوضع المصري بأنه شديد الصعوبة نتيجة غياب مصر عن منطقه حوض النيل لاسباب عديدة فعلي مدار السنوات الماضية لم يكن لنا دور فاعل اقتصاديا او سياسيا او ثقافيا وحتي المفاوضات التي استمرت لمدة 10 سنوات حول اتفاقية عنتيبي أكدت عدم ثقة الجانب الاثيوبي في مصر وهو ما يمثل خطورة علي حصة مصر من المياه. أضافت أن حصه مصر والسودان وهي 84 مليار متر مكعب سنويا تعتبر ضعيفه قياسا علي عدد السكان والخطورة أن نصيب الفرد الان هو 700 متر مكعب سنويا وهو يمثل حد الفقر المائي وليت الأمر يتوقف علي ذلك بل من المتوقع أن ينخفض ليصل الي 350 متراً مكعباً وهو ما يمثل كارثة. طالبت بتحرك سريع وعدم الاعتماد علي القوانين والمعاهدات الدولية التي تكفل الحفاظ علي حصه مصر الثابته خاصة أن الدول التي بدأت بناء السدود لن توقف مشروعات تكلفت مليارات الجنيهات وهي بالفعل تحتاج الي الكهرباء التي سيتم توليدها من هذه السدود ومن هنا يجب تعزير العلاقات مع جنوب السودات وبروندي ورواندا وتنزانيا خاصة وأن هناك رصيداً من العلاقات يسمح بزيادة التعاون في العلاقات التجارية وتفعيل البروتوكولات الاقتصادية وتقديم الاستشارات والخبرات في مجالات مختلفة. أكدت علي ضرورة حسن اختيار هيئة مصرية للتفاوض مع الدول الافريقية تمتلك خلفية وخبرة وفهم لطبيعة العلاقات بنا وبين دول حوض النيل خاصة وأن ثورات الربيع العربي اعادت لمصر مكانتها في قلوب شعوب هذه الدول. * د. فتحي عبد الرحمن استاذ المياه بجامعة القاهرة.. يؤكد أننا يجب أن نتعامل مع قضية المياه باعتبارها قضية حياة وليس ترفا وان يكون هناك تحرك عاجل علي مستوي الحكومة أولا من خلال التواجد في دول المنبع بحيث يتم اقامة شراكة اقتصادية وتجارية تحقق مصالح الجميع من خلال تنمية هذه الدول ومدها بالخبرات المصرية وفي نفس الوقت الحفاظ علي حقوق مصر التاريخية في المياه فقد اهملنا هذا الملف طويلا وتركنا افريقيا تضيع منا بعد ان كان لنا تواجد كبير في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وعلي المستوي الداخلي لابد من إعادة النظر في طريقة الاستهلاك علي كافة المستويات وان تكون هناك شرائح للمحاسبة علي تكلفة المياه فلا يعقل أن يحصل المواطن البسيط علي المياه بنفس السعر الذي تحصل به الفنادق والسفارات والمنتجعات الفاخرة. استطرد قائلا اذا كنا سنقوم بهذا الأمر فيما يخص الوقود كما اعلن مؤخرا فمن باب اولي ان يطبق هذا الأمر علي المياه التي يجب الحفاظ عليها وعدم إهدارها.