حسم مجمع البحوث الإسلامية مشروع الصكوك الإسلامية عندما رفض أعضاؤه في اجتماعهم الطاريء مؤخراً برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر المشروع الذي تقدمت به وزارة المالية لمخالفته للشريعة الإسلامية علي حد قول أعضاء المجمع وخطورته علي سيادة الدولة. استند أعضاء المجمع الذين شاركوا في مناقشة المشروع وهم: الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية والدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي والدكتور محمد الشحات الجندي والدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية السابق والدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء استندوا علي أن المشروع يبيح للأجانب تملك الصكوك والأسهم في المصانع والمشروعات المصرية وكأننا نبيع أملاك الدولة للأجانب. ويعرف خبراء الاقتصاد مشروع "الصكوك الإسلامية" بأنه عبارة عن شهادات استثمار إسلامية محددة القيمة تحمل مشروعات تجارية أو صناعية أو زراعية يساهم فيها حملة الصكوك. وتمثل ملكية تامة لهم. ويجوز لهم التصرف فيها أو بيعها. والهدف منها توفير السيولة اللازمة لتمويل المشروعات التي تخدم التنمية الاقتصادية. تمويل التنمية الغريب في الأمر أن بعض أساتذة الاقتصاد الإسلامي يؤيدون مشروع الصكوك الإسلامية وذلك في أبحاثهم التي أعدوها لهذا الغرض فالدكتور حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أكد في بحث له بعنوان "الصكوك الإسلامية بين الفقه والتطبيق" أن صيغة صكوك الاستثمار الإسلامية نجحت في تمويل التنمية في عديد من الدول الإسلامية وغير الإسلامية مثل دول الخليج والأردن وماليزيا وأندونيسيا وفي بعض الدول الأوروبية وتركيا. كما شاع تطبيقها بعد الأزمة المالية العالمية. وتعتبر من أحدث صيغ التمويل والاستثمار في العالم اليوم.. وتتسم هذه الصيغة بالعديد من المزايا التي تناسب شرائح عديدة من المستثمرون ورجال الأعمال والحكومات. لأنها تتسم بالمرونة وسهولة الإصدار والتداول وقلة المخاطر. كما أنها تستوعب شريحة من المستثمرين الذين لا يريدون المضاربة في البورصة. وكذلك المستثمرين الذين لا يريدون الدخول في شبهات المعاملات الربوية مثل السندات بفائدة.. مشيراً إلي أن خبراء المال والأعمال يرون أن المستقبل لهذه الصيغة بعد أن أوصي بها مؤسسات التمويل العالمية وأقرتها مجامع الفقه الإسلامي. ويلخص د.شحاتة المزايا التي يقدمها الصك الإسلامي في أن رأس مال الصكوك "مقدار التمويل المطلوب" يتكون من وحدات استثمارية متساوية القيمة يخول لصاحبها حصة شائعة في موجودات العملية أو المشروع موضوع التمويل بنسبة ملكيته من صكوك إلي إجمالي قيمة الصكوك.. كما أن الموجودات قد تكون أعياناً ثابتة أو متداولة أو حقوقاً معنوية أو نحو ذلك.. ويتم تداول الصكوك بأي وسيلة من وسائل التداول الجائزة شرعاً وقانوناً. حيث إن لمالك الصك حق نقل ملكيته أو رهنه أو هبته أو نحو ذلك من التصرفات لمالية من خلال شركات الوساطة المالية ويطبق علي الصكوك الإسلامية بصفة أساسية صيغة فقه المشاركة في الريح والخسارة مثل الأسهم. فوائد جمة في الوقت الذي يؤكد فيه الدكتور محمد عبدالحليم عمر أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر والخبير بمجمع الفقه الإسلامي الدولي في بحث له بعنوان "الصكوك الإسلامية "التوريق" وتطبيقاتها المعاصرة وتداولها أن موضوع التوريق "التصكيك" من الموضوعات الحديثة في الفكر والتطبيق المالي المعاصر وينتشر التعامل به في المؤسسات المالية التقليدية. ولقد بدأت المؤسسات المالية الإسلامية في تطبيقه تحت مسمي التصكيك وذلك وفق ضوابط وأحكام الشريعة الإسلامية. يري أن الصكوك الإسلامية تحقق فوائد جمة لجميع المتعاملين فيها وللمجتمع من أهمها التحرر من قيود الميزانية العمومية واعتبرها بديلاً لوسائل الحصول علي التمويل الأخري مثل الاقتراض من مؤسسات أو زيادة رأس المال بإصدار أسهم جديدة. وما ينطوي عليه كلاهما من قيود ومشكلات كما أن الصكوك تعلم علي تحويل الأصول غير السائلة "غير النقدية" إلي أصول سائلة في صورة نقدية يمكن للمنشأة توظيفها مرة أخري مما يؤدي إلي توسيع حجم الأعمال مع تقليل مخاطر الائتمان والدمج بين أسواق الائتمان وأسواق رأس المال مما يؤدي إلي تنشيط السوق المالية من خلال تداول الأوراق المالية التي تصدر عن الأصول محل الصك. وفي سياق متصل أكد الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد حسن النجار في تصريحات له أن دخول مصر علي خريطة الصكوك الإسلامية سيجعلها في مقدمة الخريطة الاقتصادية العالمية. وسيسهم بشكل كبير في تقليل الفجوة بالموازنة العامة للدولة مشيراً إلي أن دولاً مثل ماليزيا وقطر والإمارات وبريطانيا استفادت من هذا المشروع الذي أثبت نجاحاً غير مسبوق حيث إن المشروع سيكون تحت إشراف جهاز رقابي من جزءين أحدهما يمثل جهاز الرقابة المالية علي الصكوك والآخر للرقابة الشرعية. وفرق النجار بين الصك والسهم. بأن الصك يكون مضمون الربح فيه علي الغالب وتكون الملكية فيه علي الشيوع لعين معلومة إلا أنه لا يحق للمشتري الصك بالتصويت في الجمعية العمومية. في حين تقل احتمالية الربح في السهم وتكون الملكية علي الشيوع من الميزانية ويحق لصاحبه التصويت في الجمعية العمومية. كما فرق بين الصك والسندات المالية بأن الصك مرتبط بالمشروع ويمثل سهماً مالياً فيه. أما السند لا يرتبط بالمشروع ويمثل حصة في هيكل تمويل الشركة وليس مشروعاً بعينه. مخالف للشريعة علي الجانب الآخر كان الدكتور عمر الورداني أمين الفتوي ومدير التدريب بدار الإفتاء قد صرح بأن مشروع الصكوك الإسلامية الذي طرحته وزارة المالية يحتاج إعادة نظر مرة أخري وتوافر دراسة اقتصادية وشرعية لأن الوزارة حددت عائد الصكوك بقيمة ثابتة توزع علي ملاكها مرتين سنوياً وهو ما يخالف مفهوم الربح الشرعي علي أصل الصكوك الذي يستوجب المشاركة في الريح والخسارة وتغير العائد لأنه بذلك لا يختلف عن السندات ولا يقدم تحفيزاً استثمارياً لجذب أصحاب المدخرات. وفي النهاية يقف الشعب المصري حائراً بين المؤيدين والمعاضرين.. فهل يمكن التوصل لحل وسط يرضي جميع الأطراف فتقوم وزارة المالية بتعديل بعض البنود كي توافق الشريعة الإسلامية ولا تشكيل الصكوك خطورة علي سيادة الدولة وتحفظ للمواطنين حقهم في المال العام بعيداً عن عبث الأجانب بأقوات المصريين؟.. هذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة.