عيون العالم تتوجه اليوم إلي مدينة الأقصر.. وهي تحتفل بالذكري التسعينية لاكتشاف مقبرة ملكها الشاب "توت عنخ آمون" الملقب بالملك الذهبي.. بعد الكشف الذي هز العالم في 22 نوفمبر 1922 علي يد عالم الآثار الشهير "هيوارد كارتر". لقد فوجيء كارتر وبعثته الأثرية بحجم كميات الذهب داخل المقبرة.. سواء التابوت الملكي المرصع برقائق الذهب أو القناع الملكي من الذهب الخالص.. بالاضافة الي 3 مقصورات ذهبية توجد الآن بالمتحف المصري بميدان التحرير.. وتعتبر هذه المقصورات من أهم كنوز المتحف.. وتحظي دائما بأعلي نسبة مشاهدة بين الزائرين للمتحف من السائحين أو الدارسين لعلم المصريات. أذكر في بداية عملي الصحفي.. خلال الثمانينيات من القرن الماضي.. وكنت أعمل وقتها محرراً لشئون السياحة والآثار في محبوبتي "المساء".. وتبنيت حملة صحفية ضد الإهمال في الآثار المصرية بصفة عامة "فرعونية - يونانية - رومانية - قبطية - إسلامية".. وكان يرأس هيئة الآثار في ذلك الوقت عالم الآثار الجليل د.أحمد قدري - رحمه الله - وقد ظل الرجل صامداً أمام الحملة الصحفية الشرسة.. إلي ان وصل الأمر إلي كنوز "توت عنخ آمون".. خاصة المقصورة الثالثة.. التي تعرضت وقتها لبعض التلفيات بسبب سقوط كتلة خشبية من أحد المقاولين العاملين في ترميم المقصورة.. وصدرت "المساء" بموضوع كبير علي صفحاتها الأولي تحت عنوان: مفاجأة لوزير الثقافة.. إنهيار المقصورة الثالثة لتوت عنخ آمون.. والوزير لا يدري .. وكان الوزير في ذلك الوقت هو الراحل محمد عبدالحميد رضوان.. ومع هذا الخبر انهار د.أحمد قدري وفاجأنا بزيارة في الجريدة السابعة صباحاً.. لأننا كنا نبدأ العمل مبكراً.. واتفقنا في ذلك اليوم علي تهدئة الحملة.. دون المساس بحق القاريء في معرفة كل ما يدور داخل كنوز مصر الأثرية. أذكر هذه الواقعة.. حتي تعرف الأجيال الجديدة قيمة ما لدينا من كنوز.. تضع مصر في مصاف الدول السياحية الكبري.. هذه الأجيال التي خرج البعض منها بعد ثورة 25 يناير للاعتداء علي أغلي ما تملكه مصر من تراث وحضارة وأحرقوا المجمع العلمي.. ومنهم من حاول سرقة المتاحف والمخازن الأثرية بالقاهرة والمحافظات.. إلا أن الشباب الواعي المثقف المشغول بهموم الوطن تصدي لهذه المحاولات وأفشل معظمها. اليوم تستعيد الأقصر بريقها.. وتبعث برسالة طمأنة للعالم.. "أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين".. فمصر لا تنسي أبناءها ملوكاً كانوا .. أو رعية.. هذا ما تؤكده كل الرسوم واللوحات الجدارية داخل مقابر ومعابد الأقصر.. لقد خلد المصري القديم نفسه علي جدران المعابد.. الزاخرة بمواكب الحصاد والأعياد.. وقصائد الحب والمرئيات.. فهذه طبيعة الشعوب والأمم الحية.. تصنع الحضارة.. وتزرع الأمل.. وتستنهض أبناءها.. لتظل دائماً في الصدارة وتحت الأضواء.