فى أول جلسة موضوعية لمجلس الشعب يوم 24 يناير 2012، التى عقدت فى اليوم التالى للجلسة الأولى الإجرائية– كان أول موضوع يناقشه المجلس هو حقوق الشهداء والمصابين فى أحداث الثورة. تحدث السيد النائب أكرم الشاعر والد أحد مصابى الثورة وألقى كلمة عن الأهوال والمآسى التى تعرض لها نجله والموقف المتخاذل من الدولة فى علاجه، والتى وضح منها أن الحكومة الألمانية فى هذا الشأن كانت أرحم بنجله من الحكومة المصرية، بكى السيد أكرم الشاعر وهو يقص علينا ما جرى، وبكى معه أعضاء المجلس وبكت جماهير الشعب المصرى التى تابعت كلمته على شاشات التليفزيون. إن من أخطر ما قاله السيد النائب أن هذه الأهوال لا تتعلق بنجله وحده ولكن أيضا بالكثيرين الذين لم يجدوا وسيلة لعرض ما جرى لهم . تعالت مطالبات الأعضاء بالإجماع على ضرورة تشكيل محكمة ثورة لمحاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك بتهمة الخيانة العظمى، وانتقدوا جميعًا بطء إجراءات القصاص من الذين قتلوا الشعب المصرى وأهانوه وسرقوا أمواله رغم فوات مدة تقترب من العام على إجراءات التحقيق والمحاكمة . أعلنت النيابة العامة فى مرافعتها أمام محكمة جنايات القاهرة التى تجرى أمامها محاكمة حسنى مبارك ونجليه وحبيب العادلى ومساعديه أن الجهات السيادية فى مصر لم تساعدها فى التحقيقات الرامية للوصول إلى الحقيقة فى اتهام الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك ونجليه ووزير داخليته بقتل المتظاهرين والفساد، وأن "وزارة الداخلية وهيئة الأمن القومى لم يساعدا هيئة التحقيق فى الوصول إلى الحقيقة". ويحاكم أيضًا ولكن غيابيًا حسين سالم، رجل الأعمال المعروف الهارب فى إسبانيا وصديق مبارك. ونُقل عن ممثل النيابة أن الامتناع عن المساعدة جاء "على الرغم من مخاطبة النيابة العامة لها (الجهات المشار إليها) بشكل رسمي"، نحن نثق فى نزاهة وعدالة القضاء المصرى، ولكن القضاء يطبق قانون العقوبات على الجرائم الجنائية فقط دون السياسية، ويحتاج إلى أدلة قاطعة للحكم بالإدانة، وقد تقاعست الأجهزة السيادية عن تقديمها كما قالت النيابة العامة فى مرافعتها أمام محكمة الجنايات. ونود أن نعرض رؤيتنا القانونية فى هذا الموضوع. إن المادة رقم 85 من دستور 1971 تنص على أنه: «يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى، أو بارتكاب جريمة جنائية بناءً على اقتراح مُقدم من ثلث أعضاء مجلس الشعب على الأقل ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس»، وبعد أن قررت المادة إيقافه عن العمل بمجرد صدور قرار الاتهام وتولى نائبه أو رئيس مجلس وزرائه الرئاسة مؤقتاً، أضافت المادة: «وتكون محاكمة رئيس الجمهورية أمام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب، وإذا حكم بإدانته أعفى من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى". وقد تعطل العمل بهذا الدستور بمقتضى المادة الأولى من الإعلان الدستورى الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 13 فبراير 2011- كما أن هذا النص لم يرد فى الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011. كما أنه لم يرد هذا النص فى الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011. إن الرئيس السابق قد أدى أمام مجلس الشعب قبل أن يباشر مهام منصبه اليمين الآتية المنصوص عليها فى المادة 79 من دستور 1971 "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه". لقد حنث حسنى مبارك فى القسم، فلا هو احترم الدستور والقانون، ولا رعى مصالح الشعب رعاية كاملة، فقُتل من الشهداء من قُتل، وعُذب من عُذب، وألقى حسنى مبارك ونظامه بالشعب فى غياهيب السجون والمعتقلات لسنوات طويلة، لقوا فيها من أصناف التعذيب والإهانة وهتك الأعراض وانتهاكات لحقوق الإنسان لا يتسع المقام لذكرها، وسرقة أموال الدولة وإيداعها فى الخارج، وفرض الحصار على الفلسطينيين فى غزة بالتواطؤ مع إسرائيل، وهذا يكفى لاتهامه بالخيانة العظمى، وهى جريمة غير منصوص عليها فى قانون العقوبات، ولكن الدستور أشار إليها على النحو سالف الذكر. إن الحل القانونى الوحيد فى تقديرنا هو صدور إعلان دستورى بتشكيل محكمة خاصة ينظم الإعلان تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها ويحدد العقاب، مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخرى، إنها محكمة ثورة لمحاكمة حسنى مبارك سياسيًا وجنائيًا بتهمة الخيانة العظمى ومحاكمته أيضًا ونجليه ورموز النظام السابق عن الفساد السياسى ووالجنائى، خاصة جرائم القتل وإحداث عاهات وإصابة المتظاهرين وسرقة أموال الدولة، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية . هذا هو الحل الوحيد لإحقاق الحق وإقامة العدل وإنزال القصاص الذى لن تقوم الحياة بدونه، قال تعالى: " وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِى الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ". صدق الله العظيم . [email protected]