اختتم المحامى فريد الديب، رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس السابق حسنى مبارك ونجليه، مرافعته أمام محكمة جنايات القاهرة التى استغرقت 5 أيام ووجه حديثه لمبارك فى القفص قائلا" لاتحزن وأنت تفاجئ بغدر من غدر بك بعد أن كانوا يتزلفون إليك، وأنت تسمع الآن كثيرًا منهم وهم ينهالوا عليك وعلى ولديك تجريحًا.. لا تحزن وكن جلدًا فأنت لست أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي ترك مكة وتوجه الى الطائف، وقال دعائه المشهور"اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتى وهواني على الناس"، مضيفًا: يا مبارك إذا حكم ببراءتك فذلك منة من الله ولو حكم بإدانتك فهذه إرادة الله. وواصل الديب حديثه لمبارك: أنت من قلت إن قضاء مصر شريف فإذا صدر الحكم بالبراءة فسيكون كما قلت وإن كان الحكم بالإدانة فاذهب إلى موقع التنفيذ وقلوبنا معك. وبدأ الديب مرافعته.. مؤكدًا أن مبارك ما زال رئيسًا الجمهورية بحكم المادة 87 من الدستور ولم يتم تعيين بديل له مشيرًا إلى أن استقالته غير دستورية لأنها لم تكن مكتوبة ولم تقدم إلى مجلس الشعب وأنه أبلغ عمر سليمان شفاهة بتخليه عن منصبه. وقدم الديب مذكرة تضم أكثر من 1000 ورقة تتضمن دفاعه. ودفع فريد الديب، بعدم اختصاص محكمة الجنايات بمحاكمة رئيس الجمهورية، الذي لا تجوز محاكمته إلا أمام محكمة خاصة، وإنه طبقًا للدستور ما زال مبارك هو الرئيس. وأكد أن محاكمة رئيس الجمهورية تكون أمام محكمة خاصة نص عليها دستور 1971، وأن محاكم الجنايات غير مختصة ولائيًا بمحاكمة رئيس الجمهورية. وأجلت المحكمة القضية إلى جلسة الغد، وذلك لاستكمال المرافعة عن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى وبقية المتهمين في القضية. وطالب الديب ببراءة المتهمين من جميع الاتهامات المنسوبة إليهم، سواء المتعلقة بقتل المتظاهرين السلميين إبان أحداث الثورة أو الاتهامات المتعلقة باستخدام النفوذ الرئاسي والرشوة والتربح وإهدار المال العام في سابقة التصدير الغاز المصرى لإسرائيل، كما دفع ببطلان أمر الإحالة الصادر من النيابة العامة. وقال إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ما كان له أن يعطل العمل بأحكام دستور 71، موضحًا أن حل مجلس الشعب قرار لا يملكه إلا رئيس الجمهورية طبقًا لأحكام الدستور. وأوضح أن تعطيل العمل بالدستور معاقب عليه طبقًا لقانون العقوبات، واعتبر الديب أن الاختصاص في نظر هذه القضية لا ينعقد لمحكمة الجنايات وإنما يكون للمحكمة الخاصة، التى نص عليها الدستور والتى تتشكل من 12 عضوًا نصفهم من أعضاء مجلس الشعب يتم اختيارهم بالقرعة، فيما بينهم و 6 آخرين من مستشارى محكمة النقض والاستئناف، ويرأس المحكمة أقدم المستشارين، وتنعقد جلساتها في دار القضاء العالي، ويباشر الاتهام أمام المحكمة النائب العام. وأضاف أن النص الدستورى واضح وصريح في هذا الإطار بأن رئيس الجمهورية لا تجوز محاكمته إلا أمام محكمة خاصة، وإنه طبقًا للدستور فإن حسنى مبارك ما زال رئيسًا للجمهورية حتى يومنا هذا. واعتبر الديب أن المادة 83 من الدستور تنص على أنه إذا قدم رئيس الجمهورية استقالته من منصبه وجه كتابة الاستقالة إلى مجلس الشعب، وأن مؤدى ذلك أن استقالة رئيس الجمهورية كانت يجب أن تكون مكتوبة، وأن توجه إلى مجلس الشعب على نحو تصبح معه عندها هذه الاستقالة غير دستورية. ونقل فريد الديب عن نص خطاب التنحى الذي ألقاه نائب رئيس الجمهورية السابق عمر سليمان في 11 فبراير الماضى "استجابة لمطالب الشعب أبلغنى الرئيس رغبته في التنحي وأبلغني......." إلا أن عددًا من المحامين عن المدعين بالحق المدني قاطعوه واتهموا "فريد الديب" بالتغيير في نص خطاب التنحي الذي أذاعه التليفزيون المصرى، مشيرين إلى أن هذا لم يكن نص خطاب التنحي، وطالبوا الديب بالتزام الدقة فيما يقول. وتساءل الديب في مرافعته هل يترك رئيس الجمهورية منصبه بهذه الكيفية على الرغم من وجود نصوص واضحة للدستور، وكان مجلس الشعب قائمًا في هذا التاريخ؟. واعتبر أن البيان الذي أصدره عمر سليمان يعنى أن الرئيس السابق لم يكتب خطاب استقالة من منصبه، وإنما أبلغ نائبه بهذه الاستقالة، وهو ما أكده عمر سليمان في أقواله في التحقيقات، وأشار إلى أن مبارك توجه لشرم الشيخ وأنه قرأ على سليمان بيان التخلي تليفونيًا فوافق عليه، وتمت إذاعته في التليفزيون. واستطرد الديب قائلاً: "اعرف أن هذا الكلام صادم ولكن هذا يناقض الدستور"، وفي البيان نفسه وفقًا للديب: "كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد"، معتبرًا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة مضطلعًا بتكليفه إدارة شؤون البلاد من جانب رئيس الجمهورية انتهى إلى عدة قرارات أهمها تعطيل العمل بالدستور. واعتبر فريد الديب أنه ما كان للمجلس الأعلى أن يقدم على ذلك، وأن تعطيل العمل بالدستور غير جائز ومعاقب عليه. واستعرض الديب عن مبارك عددًا من نصوص القوانين وأحكام محكمة النقض في معرض تأكيده أن محاكمة مبارك أمام محكمة الجنايات هى غير جائزة قانونًا وتتناقض وأحكام الدستور. وشدد على أن الدستور هو القانون الأسمى والأعلى وبالتالي فإن على ما دونه من تشريعات النزول على أحكامه، مشيرًا إلى أن دستور عام 71 نص صراحة على أن اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمى أو بارتكاب جرائم جنائية يكون بناء على اقتراح صادر من ثلث أعضاء مجلس الشعب ولا يصدر قرار الاتهام إلا بناء على موافقة الثلثين من أعضاء المجلس فيما تؤول السلطة في هذه الحالة إلى نائب رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء لحين الفصل في الاتهام أمام المحكمة الخاصة التي نظم القانون تشكيلها وإجراءات المحاكمة أمامها في ضوء ما أقره الدستور، وأنه إذا ما أدين رئيس الجمهورية أمام هذه المحكمة الخاصة يتم إعفاؤه من منصبه دون إخلال بالعقوبات الأخرى المنصوص عليها قانونًا. وأشار الى أن قانون السلطة القضائية نص صراحة في المادة 15 على أنه فيما عدا المنازعات الإدارية التي تدخل ضمن نطاق اختصاص أعضاء مجلس الدولة فإن المحاكم تفصل في جميع الجرائم إلا ما استثنى منها بنص خاص، موضحًا أنه في حالة مبارك يكون النص الخاص هو المادة 85 من الدستور الذي أفرد محكمة خاصة بشأن الاتهامات المتعلقة برئيس الجمهورية. وأشار الديب إلى أن الدستور لم يورد نصًا خاصًا لمحاكمة الوزراء أمام محكمة خاصة، وإنما خص تلك المحكمة لرئيس الجمهورية وحده، بحيث تكون محاكمة الوزراء أمام المحاكم العادية، وذلك عن الجرائم التي تقع منهم بسبب وظائفهم، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لايمثل إخلالاً بحق النائب العام بالادعاء ضد الوزير. وأكد الديب أنه في 13 يونيو من عام 1956 صدر قانون محاكمة الوزراء ورئيس الجمهورية ثم صدر في عام 58 قانون آخر في شأن محاكمة الوزراء وحدهم في الإقليمين المصري والسوري خلال فترة الوحدة بين البلدين"، وأن هذا القانون معمول به في مصر حتى الآن، مشيرًا إلى أن المادة الثانية من القانون الصادر سنة 56 أوردت التشكيل الكامل للمحكمة الخاصة التي تحاكم رئيس الجمهورية. وقال الديب إنه في ضوء ما تقدم يصبح مبارك متمتعًا بصفته كرئيس للجمهورية حتى الآن. وقد أثارت عبارة الديب حفيظة المحامين عن المدعين بالحق المدني. وأثارت جدلاً واسعًا في صفوفهم، حيث قام بعضهم بالاعتراض طالبين من رئيس المحكمة أن يتيح لهم فرصة الرد على هذه الادعاءات. مشيرًا إلى أن ما حدث في مصر كان ثورة شعبية أجبرت مبارك على التنحي وليس الاستقالة. وأنهى الديب مرافعته بتوجيه كلمتين إحداهما للمحكمة معتبرًا أنه اجتهد في هذه المرافعة وعمل قدر طاقته وقال "لعلني أكون أوفيت بالغاية وأسهمت كمدافع عن مبارك ونجليه في جلاء الحقيقة غير عابئ إلا بأداء الواجب وغير مصغ إلا لصوت الضمير وغير مصغ لآراء زملائي الذين لا يعلمون". واستطرد الديب "أقول للمحكمة ما قاله المستشار يحيى الرفاعي في كلمته بختام مؤتمر العدالة الأول الذي قال فيها لقد تعهد قضاة مصر بأن يحملوا الأمانة وأن يرفعوا راية الحقيقة، وأن يمضوا في طريقهم غير مبالين بما يحيط بهم، فتلك مهمتهم وهم في أداء رسالتهم لا يلتمسون إلا الحقيقة وفي أحكامهم لا يقولون إلا كلمة الحق لاتضعفهم رغبة في سبيل الحق، ووجه الخطاب إلى هيئة المحكمة بقوله فامضوا أيها العظماء في طريقكم فالدنيا بأثرها تترقب كلمة العدل في حكمكم. وخاطب مبارك بقوله: "يا نسر الجو الجريح يا قائد نسور مصر الأبطال يا من حملت روحك على كفيك وقاتلت من أجل مصر وواجهت الموت فنجاك الله لتواصل مسيرة السلم، لا تحزن وأنت تفاجئ بغدر من غدر بك وأنت تسمع بَنيكَ وأخوتك وقد قلبوا لك ظهر المذلة وانقضوا عليك وأنت أعزل، لا تحزن وكن جلدًا كعادتك فأنت لست بأفضل من رسول الله عندما وجد عنتًا من أهل مكة ومكث في الطائف واكتشف أن أهلها ليسوا بأفضل من أهل مكة"، وتلا دعاء رسول الله عندما خرج من الطائف "اللهم إني أشكو إليك قلة حيلتي وضعف قوتي وهواني على الناس". وحث مبارك على الامتثال وطالبه بترديد هذا الدعاء الكريم. وقال الديب لمبارك "إن حكموا لك بالبراءة فهذا حكم الله، وإن حكموا عليه بالعقوبة فلا تبتئس فتلك إرادة الله". وعقب انتهاء الديب من مرافعته ثار عدد من المحامين المدعين بالحق المدني ضد ما ورد في مرافعته وهتفوا بسقوط مبارك فيما صفق له المحامون عن المتهمين وأجّل رئيس المحكمة المستشار أحمد رفعت انعقاد الجلسات إلى جلسة غدًا بحيث يبدأ الدفاع عن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي مرافعته.