خلصنا فى مقال سابق أنه بمد الأفق الزمنى إلى آخر القرن 2100 فيما يتعلق بالمياه تواجه الزراعة المصرية ظروفا بالغة الصعوبة تكاد تنتهى بها إلى الاختفاء . فالشرط الأساسى وربما الوحيد لوجود الإنتاج الزراعى فى مصر هو وجود موارد مائية نيلية كافية لقيامه. نشأت الحضارة الزراعية الأولى على ضفاف النيل واستمرت الزراعة المصرية وحتى الآن وعبر آلاف السنين معتمدة على نهر النيل، إلا أن تحليل الظروف التى تحيط بالنهر يجعلنا نصل إلى نتيجة شبه مؤكدة ، هى أن الزراعة فى مصر تشهد القرن الأخير فى تاريخها الطويل.وهناك ثلاثة متغيرات تدفع إلى هذه النتيجة ،أولها الزيادة السكانية فى دول حوض النيل الشرقى (مصر والسودان وإثيوبيا) ، ، وثانيها الصراع على مياه النيل المحسوم لصالح دولة المنبع إثيوبيا ، وثالتها التغيرات المناخية. عدد السكان فى 2100 مصر (بمعدل نمو 1.4% سنويا) 300 مليون نسمة السودان (بمعدل نمو 2% سنويا) 180 مليون نسمة جنوب السودان (بمعدل نم 2% سنويا) 50 مليون نسمة إثيوبيا (بمعدل نمو 2% سنويا) 480 مليون نسمة إجمالى حوض النيل الشرقى 1010 مليون نسمة وعلى ذلك من المتوقع أن يزيد إجمالى عدد سكان حوض النيل الشرقى من 220 مليون نسمة حاليا إلى أكثر من مليار نسمة فى نهاية القرن الحالى .لاشك أن هذه الزيادة سوف تشكل ضغطا هائلا على الموارد المائية المحدودة.الأمر الذى سيؤجج الصراع على المياه بين دول الحوض.ومع ذلك فيبدو ان هذا الصراع محسوم لصالح إثيوبيا باعتبارها دولة المنبع ، يؤكد ذلك نجاحها رغما عن مصرفى إنشاء سد النهضة ومجموعة سدود أخرى على النيل الأزرق،سوف تؤثر بالقطع وبدرجة خطيرة على إيراد النهر لدولتى المصب السودان ومصر.وسوف يتسبب سد النهضة فى تخفيض حصة مصر خلال السنوات القليلة القادمة بما يتراوح بين 12-20 مليار مترمكعب سنويا اعتمادا على طول فترة الملء.أما على المدى الطويل فسوف تكون الزيادة السكانية واحتياجات التنمية عاملا ضاغطا لحجز المزيد من المياه على حساب حصة مصر المائية من مياه النيل البالغة حاليا 55.5 مليار متر مكعب سنويا.وعلى ذلك وفى أحسن الفروض سوف تنخفض حصة مصر المائية (المتغيرة) إلى نحو 20- 30 مليار متر مكعب سنويا. وعلى جانب الطلب على المياه فى مصر ، فطبقا للميزانية المائية الحالية تحصل الزراعة على 80% من الموارد المائية المتاحة بينما تحصل الاستخدامات غير الزراعية (الاستخدامات المنزلية واستخدامات الصناعة والملاحة والبخر من الشبكة المائية) ال 20% الباقية . ولما كان إجمالى المياه الموجهة للاستخدامات غير الزراعية يبلغ نحو 20 مليار متر مكعب سنويا ونصيب الفرد منها نحو 200 متر مكعب سنويا ، فإن إجمالى الاحتياجات المائية للاستخدامات غير الزراعية بحلول نهاية القرن يبلغ نحو 60 مليار متر مكعب سنويا . بمقارنة جانبى المتاح من المياه والطلب عليها فى مصر بحلول نهاية القرن يتضح أن الاحتياجات المائية السنوية للاستخدامات غير الزراعية (مياه الرى) سوف تكون قدر المتاح من المياه مرتين (60 مليارا مقابل 30 مليارا ) .وبعبارة أخرى سوف يكون إيراد النيل كافيا فقط للوفاء بنصف الاستخدامات غير الزراعية ، بغير ان يتاح للاستخدامات الزراعية (مياه الرى) أى قدر من المياه .ويؤشر اتساع العجز المائى على هذا النحو إلى أن الزراعة المصرية قد تشهد أيامها الأخيرة مع بداية النصف الثانى من القرن الحالى ، حيث يبلغ عدد السكان حينئذ (بمعدل نمو 1.4 % سنويا ) 146 مليون نسمة بإجمالى استخدامات مائية غير زراعية ما يقرب من 30 مليار متر مكعب ،أى ما يعادل الكمية المتوقع إتاحتها من مياه النيل. فى ضوء هذه التقديرات ، ترتكب الدولة خطأ كارثيا باتجاهها إلى التوسع الأفقى فى ملايين الأفدنة فى زراعات مكشوفة فى مناطق صحراوية تسود بها ظروف بيئية غير مواتية فى الأغلب للإنتاج الزراعى ، وسوف يترتب على هذا الاتجاه استنزاف المخزون المائى الجوفى دون جدوى اقتصادية حقيقية ، خاصة ان هناك بدائل واختيارات استراتيجية أخرى أعلى جدوى اقتصادية وأكثر استدامة أستاذ الاقتصاد الزراعى – كلية الزراعة – جامعة القاهرة