النتائج النهائية التى أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات، أمس الأول، تكشف عن تحول تاريخى فى التجربة الديمقراطية المصرية، بقدر ما تكشف عن الخريطة الحقيقية للقوى والكتل السياسية التى تمور فى المجتمع المصرى الآن، ربما كان أهم ما كشفت عنه النتائج النهائية هو الأرقام المذهلة التى حصل عليها التيار الإسلامى بفصائله المختلفة، حيث كشفت النتائج عن أن أكثر من عشرة ملايين مواطن مصرى منحوا أصواتهم لحزب الحرية والعدالة الممثل للإخوان المسلمين وحلفائه، وأكثر من سبعة ملايين ونصف المليون مواطن منحوا أصواتهم لحزب النور السلفى، الوافد الجديد على الحياة السياسية، وهناك نحو مليون مواطن منحوا أصواتهم لحزب الوسط، وهذا يعنى أن حوالى عشرين مليون مواطن منحوا ثقتهم وأصواتهم لأحزاب التيار الإسلامى وحلفائه. هذه النتائج تكشف أولا عن حجم التزوير، الذى كان يقوم به نظام مبارك وعصابته فى إرادة الشعب المصرى، وحجم القهر الذى كان يعانيه الناس، فلما انتزع الشعب إرادته وقراره وأطاح بالطغمة الفاسدة المزورة، رسم خريطته الحقيقية التى كان الفاسدون يخفونها عن العالم كله، الأمر الآخر الذى تكشفه النتائج هو أن المجتمع المصرى يتجه بمشاعره وعواطفه وقناعاته الراسخة تجاه الهوية الإسلامية والعربية، وهو ما يفرض على جميع قواه السياسية أن تخطط من الآن لاستيعاب هذه الروح الواضحة وضوح الشمس، وبدلا من إضاعة الوقت فى تحدى الشعب ومعاندة الملايين، عليهم أن يضعوا تصورات وأفكارًا جديدة تدمج الرؤية الإسلامية فى مشروعاتهم السياسية، فاليسار واليمين ما زالوا جامدين على خيالات نظرية عتيقة وبالية ولا تصلح لاستيعاب الواقع المصرى، وهم بحاجة ماسة إلى التصالح مع هوية الوطن ومقدساته وأشواقه الروحية، وبحاجة إلى إعلان سياسى جديد وبيان جديد يدشن مرحلة فكرية متطورة وقادرة على اجتذاب أشواق الملايين لصبها فى برامج تنموية سياسيًا واقتصاديًا وتعليميا وصحيا وثقافيا أيضًا. النتائج بقدر ما تمثل انتصارًا واضحًا للتيار الإسلامى، بقدر ما تمثل قلقًا حقيقيًا على هذا التيار ومستقبله، لأن عشرين مليون مواطن منحوا أصواتهم له على وقع الأمانى والأشواق لحياة أفضل، فإذا عجز الوافدون الجدد عن تحقيق تلك الأشواق وإشعار ملايين المصريين أنهم انتقلوا بالفعل أو ينتقلون إلى حياة أفضل من كل النواحى، فإنهم سيدفعون الثمن غاليا، وقد يدفعونه سريعا، لأن مصر ما زالت وستظل لسنوات قليلة مقبلة فوارة بروح الثورة القادرة على إعادة المسار الديمقراطى إلى نقطة البدء، إذا خذلنا البرلمان وأحزابه الرئيسية أو الحكومة أو رئاسة الجمهورية على حد سواء. [email protected]