سياسيون: السعودية ومصر يكملان بعضهما البعض ويقومان بتوزيع الأدوار داخل المنطقة العربية محللون: تمسك مصر بالميل ناحية الخليج سيكون هو الخيار خلال الفترة المقبلة لتجاوز أزمتها الاقتصادية
انحازت مصر نحو معسكر روسيا الداعم لبقاء بشار الأسد في حكم سوريا ورفض الإطاحة به عن طريق الحل العسكري الذي كان وشيك الوقوع، بعد إقدام الولاياتالمتحدة على توجيه ضربة عسكرية لنظامه، إلا أن الدب الروسي أوقف قرار مجلس الأمن بهذا الشأن ونزع الشرعية الدولية من أمريكا التي لجأت إلى تحالف عسكري دولي شاركت فيه الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات. ووضع هذا الانحياز المصري نظام السيسي في خط مخالف لتوجهات المملكة العربية السعودية أكبر الداعمين لمصر بعد الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم، مما أدى لوقف المساعدات الاقتصادية لفترة كبيرة ما أن لبثت المملكة في إعلانها حزمة جديدة من المساعدات متمثلة في استثمارات جيدة وقروض، وبعدها شاركت مصر في مناورة عسكرية «رعد الشمال» بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي والملك سالمان، وأعلنت جماعة حزب الله اللبناني المؤيدة من قبل سوريا بأنها جماعة إرهابية، مما دعا خبراء لإعلان تباين موقف مصر من نظام بشار الأسد وإمكانية تغييره تدريجيًا لصالح المملكة السعودية التي تدعم الثورة السورية وضرورة رحيل الأسد من السلطة خوفًا من الحصار الخليجي لمصر إذا استمر نظام السيسي في دعم نظام الأسد على غير رغبة دول الخليج. وفي إطار ذلك، رصدت "المصريون" آراء المحللين والخبراء في أسباب تغيير الموقف المصري من نظام بشار الأسد في سوريا والعودة مرة أخرى لدعم الموقف الخليجي في مواجهة الأسد. تغيير المواقف في البداية، قال الدكتور محمد حسين، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إن موقف مصر المعارض للسعودية في مسألة الأزمة السورية قد يتغير بالتدريج بعد التقارب المصري السعودي الذي حدث في الفترة الأخيرة بعد المشاركة في المناورة العسكرية رعد الشمال. وأضاف حسين أن موقف مصر من إدانة جماعة حزب الله اللبناني والمؤيد من قبل سوريا هو موقف مصري خالص، لاسيما أن النظام المصري يقف في صف وحدة التراب السوري وعدم تفتيته من قبل بعض الجماعات، مع التمسك بالحل السلمي، وهذا لا يعني أن مصر قد انحازت تمامًا لرأي السعودية ضد حزب الله، ومن ثم ستدخل معها في طريق الحل العسكري ضد النظام الحاكم في سوريا. فمصر والسعودية ليسا في منافسة سياسية، بل أنهما مكملان لبعضهما البعض، وأحيانًا يقتضي الأمر توزيع أدوار وهذا يدل على نضوج السياسة العربية، ومصر موفقة إلى حد كبير في مواقفها السياسية القائمة على التأني وعدم التدافع في الآراء، خاصة أنها لم تعلن موقفها كونها مع بشار أو ضده، لكن الموقف الرئيسي هو وحدة التراب العربي. وأضاف حسين أن السعودية لديها أزمة اقتصادية من جراء الحرب اليمنية المستمرة ولن تكون في موقف مساعدة اقتصادية لمصر، لا سيما أن الاستثمارات التي أعلنت عنها لم تدخل مصر حتى الآن. فمشاركة مصر للسعودية بقوة عسكرية في اليمن كان لمنع التمدد الإيراني التي ترى مصر ضرورة وقفه، وهذا يعني أنه قد يكون اتفاقًا في موضع واختلاف في موضع آخر، ومشاركة مصر في مناورة عسكرية مع السعودية تعطي فرصة لدراسة الوضع بشكل أفضل والتعرف على الأسلحة الجديدة". السعودية تتعمد إشراك مصر في مواقفها السياسية على نفس السياق، يقول الدكتور سعيد اللاوندي، خبير العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، إن السعودية تحاول أن تجعل مصر شريكًا أساسيًا في مواقفها الخارجية، لكن مصر تتميز عن السعودية كونها متمسكة بوحدة الأراضي السورية، وموقف النظام المصري من جماعة حزب الله واتهامه بالإرهاب نابع من رؤية مصرية خالصة غير مرتبطة بأي دولة، وهي أن حزب الله يتعاون مع حركة حماس التي يراها النظام الحالي أنها متورطة في عمليات إرهابية آخرها مقتل النائب العام هشام بركات، وحتى وإن كان نظام بشار يرى أنها جماعة مقاومة لإسرائيل. وشدد اللاوندي على أن موقف مصر يأتي من وجهة نظر العروبة التي ترى أن حزب الله يقسم الأراضي السورية، فهي لا تميل إلى مساندة بشار الأسد ولا حتى الانقياد للملكة العربية السعودية حتى وإن كنا نتلقى المساعدات منها.
النظام المصرى غير محدد الوجهة من جانبه، قال الدكتور عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن النظام الحالي يأبي أن يتخذ قرارات حاسمة في الأحداث السياسية والعسكرية التي تشهدها بعض الدول العربية، فعندما تدعوه السعودية للاجتماع أو الوقوف ضد موقف معين فإنه يذهب ويؤيدها، وأيضًا إذا ما دعاه أصحاب الرأي المخالف للسعودية كروسيا في أزمة سوريا فإنه يتوافق معها على حساب الموقف السعودي. فمصر فقدت قيمتها القيادية على المستوى الإقليمي وأصبحت رجل المنطقة المريض، وهذا المرض يتمثل في عدم وجود رؤية حقيقية داخليًا أو خارجيًا، فالسعودية تريد أن تتزعم مصر وتشاركها في جميع الأمور، في حين يرى النظام ضرورة عدم التبعية للسعودية لكنه يقف بعيدَا عنها بخطوة واحدة. وأضاف الأشعل أن هناك تناقضًا بين الموقفين المصري والسعودي من حيث الشكل، وعند اجتماعهما يظهر خلاف ذلك، فالسعودية تقوم بتسليح التيارات السنية والأجنبية في سوريا لمواجهة بشار من أجل إسقاطه، ومصر تتبني موقف التسوية السياسية وهو ما يتفق مع بعض الأطراف المتحالفة مع مصر كروسيا، لكن مصر ليس لديها أوراق سياسية لتحقيق هدفها، بينما دفعت السعودية ما يقرب من 100 مليار دولار من أجل إسقاط بشار. وأضاف الأشعل أن مواقف السعودية قضت على دور جامعة الدولة العربية التي تتزعمها مصر، وربما يكون هناك مخطط إيراني غربي لتقسيم المنطقة العربية، وتباين الموقف المصري قد يجعله ينجو من هذا التقسيم، لاسيما أن المساعدات التي تقدمها دول الخليج هي نوع من الرشوة السياسية.
مصر تتقرب من السعودية بإدانة حزب الله على حساب سوريا من زاوية أخرى، قال الدكتور سعيد صادق، المحلل السياسي، إن الموقف المصري تجاه سوريا لازال متعلقًا بما كانت عليه الدولتان من الوحدة الوطنية بجانب مشاركتهما معًا في حرب 1973،لذلك سيكون من الصعب أن تنضم مصر للجانب السعودي في مسألة المشاركة العسكرية في سوريا. وأضح صادق أن الأزمة السورية مستمرة منذ خمس سنوات ودول الخليج وإيران وأمريكا وحزب الله هى أكثر الأطراف اللاعبة في المشهد السوري، كما أن دول الخليج فشلت في إنهاء الحرب عسكريًا بسبب مساندة روسيا لنظام بشار الأسد حتى أصبحت سوريا محتلة بالكامل من روسيا، من خلال القوات الروسية والقواعد الموجودة بها، إلا أن تمسك مصر بالميل ناحية معسكر الدول الخليجية من أجل دعمها لتجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة سيكون هو الخيار خلال الفترة المقبلة، وحتى وإن كان هذا الانحياز ضد سوريا وعبر التصريحات الإعلامية. ولفت صادق إلى أن حل القضية السورية أصبح بيد روسياوأمريكا وإسرائيل، وبالتالي فإن انحياز مصر لدول الخليج سيكون خيارًا سياسيًا لكسب موقف سياسي عربي. وأضاف صادق أن إدانة مصر لحزب الله اللبناني واعتباره جماعة إرهابية، كان ناتجًا عن تقرير دول مجلس التعاون الذين أوضحوا فيه أنه ساعد في توغل الدولة الإيرانية في الوطن العربي وهو ما تحاربه بقوة المملكة السعودية، ومن الضروري أن تحافظ مصر على مساندتها للمملكة حتى وإن كان هذا التصنيف سيغضب نظام بشار الأسد الذي خف تأييد مصر له في الفترة الأخيرة بعد وعد المملكة العربية السعودية بضخ استثمارات جديدة في مصر لدعم الأزمة الاقتصادية الراهنة، كما أن الإمارات والسعودية وقفتا مع نظام السيسي ضد الإخوان واعتبروهما جماعة إرهابية.