أبرزت صحيفة "دي فيلت" الألمانية قرار روسيا المفاجئ بالانسحاب العسكري من سوريا, وقالت إنه جاء فيما يبدو لإنقاذها من "أفغانستان جديدة". وقالت الصحيفة في تقرير لها في 16 مارس إن التدخل العسكري الروسي في سوريا, أنقذ نظام بشار الأسد من الانهيار, وساعد موسكو في استعادة النفوذ الجغرافي والسياسي في الشرق الأوسط، وجعل منها شريكا لا يمكن الاستغناء عنه لإيجاد حل للحرب الدائرة بسوريا منذ خمس سنوات. وتابعت " روسيا نجحت في فرض نفسها كقوة عالمية من جديد"، ورجحت أن تكون اضطرت للانسحاب من سوريا, وليس باختيارها, بسبب الكلفة الباهظة لتواجد قواتها في سوريا، حيث إنها تكلف حوالي 2,5 مليون دولار يوميا. واستطردت " العمليات العسكرية الروسية في سوريا التي انطلقت منذ سبتمبر الماضي، كبدت موسكو أيضا تكاليف سياسية كبيرة، وعرضتها لانتقادات دولية كثيرة، بسبب قصفها المدنيين" وأضافت " تعرض إحدى المقاتلات الروسية للإسقاط من قبل سلاح الجو التركي أدى أيضا إلى نشوب أزمة حادة بين موسكو وأنقرة، بالإضافة إلى تدهور علاقات روسيا مع دول المنطقة، خاصة السعودية". وتابعت الصحيفة " يبدو أن موسكو فضلت الاكتفاء بالمكاسب التي حققتها في الفترة الماضية، قبل أن تتفاقم خسائرها, وتواجه شبح (أفغانستان جديدة) بسوريا". وكان الكرملين أعلن في 14 مارس بشكل مفاجيء أن الرئيس فلاديمير بوتين أمر وزير الدفاع بسحب القوات الروسية الرئيسة من سوريا, وتخفيض عدد القوات الجوية ابتداء من 15 مارس. وقال موقع "ديبكا" القريب من الاستخبارات الإسرائيلية، في تقرير له في 15 مارس , إن هناك خلافات حادة نشبت مؤخرا بين موسكو وطهران حول مستقبل الحرب في سوريا من جهة، وخلافات لا تقل في حدتها بين بوتين وبشار الأسد بشأن المستقبل السياسي للأخير، من الجهة الأخرى. وبدورها, قالت إذاعة "مونت كارلو" الدولية, إن هناك عددا من الأسباب تقف على الأرجح وراء القرار الروسي المفاجيء, أولها أن بوتين حدد منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا مدة العمليات بأربعة أشهر, ولم يبق العملية مفتوحة الآجال. والسبب الأخر, هو تزامن القرار الروسي مع بدء مفاوضات جنيف، مشيرة إلى أن روسيا عملت بجهد لعقد هذه المفاوضات وتعرف أن استمرار العمليات العسكرية قد يعطل هذه المفاوضات. وتابعت الإذاعة " السبب الثالث, أن بوتين يرى أن تدخله أدى الغرض العسكري منه، حيث منع سقوط نظام بشار الأسد عسكريا على الأقل ، وساعد هذا النظام على استعادة زمام المبادرة ووقف تقدم معارضيه المسلحين, مما سمح للوفد الحكومي بالتوجه إلى جنيف والجلوس إلى طاولة التفاوض من موقع قوي . واستطردت " السبب الرابع أن التدخل العسكري أصبح مكلفا للاقتصاد الروسي الذي لا يزال يعاني أزمة كبيرة منذ العام 2009 ، في وقت وصل فيه سعر برميل النفط إلى أدني مستويات له ، مما أثر سلبيا على الخزينة الروسية', وفي حال استمرت الحرب طويلا ، قد تزيد من الأعباء على الاقتصاد الروسي, بل وقد تترك أيضا تداعيات سياسية, في غير صالح بوتين, مع تقلب مزاج الرأي العام الروسي". كما نقلت "الجزيرة" عن المحلل الروسي غيورغي بوفت, قوله :" إن موسكو منذ البداية لم تكن تسعى إلى إنقاذ نظام بشار الأسد بأي ثمن، بل هدفها الرئيس كان الخروج من العزلة الدولية, وهذا ما تمكنت من تحقيقه". وأضاف أن روسيا استعادت من خلال هذه الحرب موقعها كقطب دولي كبير, وكسرت أحادية القطب الأمريكي, الذي تفرد بإدارة العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. وتابع بوفت "روسيا حققت أقصى ما يمكن التوصل إليه, دون القيام بعملية برية, فيما يتعلق بمكافحة تنظيم الدولة، متفادية أن تتحول سوريا إلى أفغانستان جديدة", وذلك في إشارة إلى أن الكرملين أراد تفادي تكرار تجربة الاتحاد السوفيتي سابقا في أفغانستان، حين خاض الجيش الأحمر هناك حربا استمرت عشر سنوات بين 1979 و1989, وانتهت بهزيمة كبيرة للسوفييت.