أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس النظام السوري بشار الأسد، بدء الانسحاب العسكري من سوريا، ابتداء من يوم الثلاثاء 15 مارس/آذار الجاري في خطوة مفاجئة وسريعة مشابهة لإعلان التدخل في سوريا. وإن كانت هذه الخطوة شبيهة بإعلان روسيا بدء التدخل العسكري في سوريا، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، إلا أنها مختلفة في جوهرها وحيثياتها، إذ كان التدخل بطلب من رئيس النظام السوري بشار الأسد، أما الانسحاب فقد بدا وكأنه صفقة أمريكية روسية تجاوزت طموح بشار الأسد. وأكد بيان صادر عن الكرملين أن "القوات الروسية هيأت الظروف لعملية السلام في سوريا، وأن بوتين طلب من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تعزيز دور موسكو في محادثات السلام السورية"، وذلك بعد أن أدى القصف الروسي إلى مقتل ما يزيد على ألف سوري جلهم من المدنيين منذ بدء العمليات العسكرية الروسية، بحسب المركز السوري لحقوق الإنسان. وأعلن البيت الأبيض والكرملين، الاثنين، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ناقشا الأزمة السورية خلال مكالمة هاتفية أطلع فيها بوتين نظيره الأمريكي على تفاصيل بدء الانسحاب من سوريا عقب استكمالها "المهام الأساسية" في مكافحة الإرهاب. ما الأهداف؟ لكن هل كانت الادعاءات الروسية المتمثلة بمكافحة إرهاب تنظيم الدولة في سوريا هي الدافع للتدخل؟ أم تجاوزت ذلك إلى استعادة روسيا لقوتها ودورها في المنطقة إلى جانب ردع إنجازات المعارضة السورية على الميدان؟ الخبير الروسي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية صمويل تشاراب يقول: إن "بوتين حقق أهدافه في سوريا إلى حد كبير". ويضيف تشاراب لموقع "المونيتور": "كان هدف بوتين إجبار الولاياتالمتحدة وحلفائها للجلوس على طاولة المفاوضات بشروطه، وقد حقق هذا الهدف وأبعد من ذلك. والتواجد العسكري الروسي في سوريا لم يعن الكثير بالنسبة له". في حين قال باول سوندرز، الخبير الروسي في مركز "National Interest": إنه "من الملحوظ أيضاً أن بوتين كان يقول بأن المهمة أنجزت وإن التدخل حقق أهدافه، وإنه جاء لدحر تنظيم الدولة في سوريا. لكن هذه المهمة في الحقيقة لم تنجز". وأضاف لموقع المونيتور: "ما تم فعلاً إنجازه هو أن الانسحاب الروسي قد يؤدي إلى إنهاء الأعمال العدائية مما قد يوصل إلى عملية سلام ناجحة بين الأسد وقوات المعارضة". ويرى هذا المحلل أن بوتين يريد أن يرسل رسالة للطرفين (الأسد والمعارضة) وخصوصاً بشار الأسد، أن موسكو تأخذ من الآن مبدأ التفاوض على محمل الجد، مبيناً أن هذا الانسحاب ربما تكون وتيرته بطيئة، ولا يعني أن روسيا ستذهب بعيداً. وعلى ما يبدو فإن الصفقة بين أمريكاوروسيا تحققت، بعد أن أثبتت موسكو إمكانية وجودها كلاعب فاعل في مفاوضات جنيف الجارية، فقد كان الخلاف بين الدولتين العظميين ليس على رحيل الأسد بقدر ما هو تشكيك أمريكي في إمكانية نجاح روسيا في إنهاء هذه الأزمة. * التوسع والهيمنة ولطالما ألمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى عدم تمسك بلاده ببشار الأسد، وكان هذا بارزاً عندما صرح بذلك للرئيس التركي لدى زيارته الأخيرة لموسكو، قبل أن يتراجع ويبرر تحرك بلاده في دمشق بأنها محاولة لتفادي كارثة شاملة في سوريا. وبغض النظر عن مصلحة موسكو في إبقاء الأسد من عدمه، لكن وجودها العسكري في سوريا، يأتي ضمن خطط طويلة الأمد تهدف إلى استعادة مكانتها العسكرية وانتهاج عقيدة توسعية جديدة، بعد أن انتهجت سياسة عسكرية تتسم بالضعف منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. ويرى مراقبون أن سوريا كانت هي وسيلة روسيا لتحقيق أهدافها في خطتها التوسعية الجديدة، ضمن مواجهة باردة مع أمريكا التي لم تدخلها بالتحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة"، وتركيا التي تريد إنشاء منطقة آمنة على الحدود وتطالب باستهداف الأسد. وفي تحليل له، يقول مركز كارينغي للشرق الأوسط: إن "روسيا لا تخفي نزعتها لتحدي ما تصفه ب"الهيمنة الغربية على العالم"، وكان آخرها تحدي الغرب في كل من سوريا وأوكرانيا. هكذا، وفي جانب منه، بدا التحرك العسكري الروسي الجديد في سوريا كرد فعل على استبعادها من المشاركة في التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة لقتال تنظيم الدولة". وهذا الأمر دفع موسكو إلى المشاركة في الحرب على الإرهاب بتأسيس تحالفها الخاص في المنطقة التي يحكمها الأسد من سوريا، مقابل تحالف "غير شرعي بني على أسس خاطئة"، بسبب استبعاده الأسد، وفق ما تعتقد روسيا وإيران حليفتا النظام السوري.