فجر الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان، رئيس تحرير صحيفة القدس العربي سابقًا، ورئيس تحرير "رأي اليوم" حاليًا، مفاجأة في علاقة الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل بالرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدًا أن "السيسي" لم يكن يثق في هيكل ولم يعطيه كل أسراره. وقال "عطوان" في مقاله بموقع "رأي اليوم" متحدثًا عن "هيكل": في أحد لقاءاتنا في أحد مطاعم لندن أثناء حادثة الغبار البركاني، تناولنا أحداث المنطقة، وقد فاجأنا جميعًا بالقول بأنه يتوقع زلزال كبير في مصر، وأن أيام الرئيس مبارك باتت معدودة، وأكد أن المشير محمد حسين طنطاوي سيلعب دورًا كبيرًا في هذا الزلزال، تمامًا مثلما مسك الحكم عندما انهار الرئيس مبارك وهو يلقي خطابه أمام مجلس الشعب، وأكد مرة أخرى أن المؤسسة العسكرية لن تسمح مطلقًا بالتوريث، وتولي جمال مبارك الحكم، وقد صدقت كل، أو معظم توقعاته. وتابع: من حرصي عليه، ولسذاجتي، كان يشعر بالملل لتأخره في العودة إلى مصر بسبب ذلك الغبار الذي عطل حركة الطيران لأكثر من أسبوع، عرضت عليه خدماتي في حجز مكان له في اليوم الأول لعودة الطيران، وبعد تمنع منه، وإصرار مني، قال لي إن أولاده سيرسلون له طائرة خاصة فأسقط في يدي. وأضاف: أستغربت ألا يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في تشييع جثمانه، فقد أعتقدت أن العلاقة بينهما كانت قوية، لأنني عندما التقيته في بيروت في بيت أحد الأصدقاء المشتركين في (ديسمبر) عام 2014، حيث كنت أزورها لتوقيع كتابي عن “الدولة الإسلامية” في معرض بيروت الدولي للكتاب، قال إنه التقى الفريق أول عبد الفتاح السيسي قبل أربعة أيام من حضوره لبيروت لأكثر من خمس ساعات، وأكد أنه لن يخلع البزة العسكرية، ولن يترشح للرئاسة، ولم يكن مصيبًا هذه المرة، ما يؤكد أن المشير السيسي لم يكن يثق به، ويطلعه على أسراره مثلما يعتقد الكثيرون. وشدد على أن هيكل لم يكن مطلقًا من المؤيدين لأي تقارب بين مصر والسعودية، وأثناء زيارة أخرى لبيروت التقى السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله، وحمل رسائل من القيادة المصرية إلى القيادة الإيرانية وبالعكس، بتكليف من السيد نصر الله، وحقق هذا الدور نجاحًا ملموسًا. واستطرد "عطوان": كان شغوفًا بمعرفة أسباب مغادرتي ل”القدس العربي” وتواعدنا على اللقاء في فندق فينيسيا حيث يقيم، ولكنني اعتذرت تحت ذريعة ظرف طارئ على أمل اللقاء في لندن، ولم يقبل اعتذاري، وكان محقًا في وصفه بأنه هروب، فلم أكن أريد الحديث في هذا الموضع، كعادتي دائمًا في كل صحيفة أغادرها، وهي قليلة العدد على أي حال. وإذا كانت تنبؤاته قد أصابت في مسألة حدوث زلزال سياسي في مصر، والدور المستقبلي للمشير طنطاوي وزير الدفاع حينها، فإن نظريته حول قيام مجموعة صربية بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر وليس “القاعدة” لم تكن كذلك، رغم إصراره على دقتها حتى وفاته. كان رجلاً يحمل كبرياء وعزة نفس غير مسبوقين، يضع نفسه في مقام الملوك والرؤساء، إن لم يكن أعلى، لا ينحني لاحد، يعتد بنفسه وتاريخه، ولا يتواضع الا في حالة واحدة، وهي وصف نفسه بأنه “جورنالجي” ونقطة على السطر، وهذا فخر وتقدير كبيران لمهنة الصحافة. في أيامه الأخيرة ضعف سمعه، ولكنه كان يرفض وضع سماعات تعدّل هذا الضعف، وكان الحديث معه صراخًا يسمعه من يجلس على بعد كيلومتر، فلم يكن يريد أن يظهر في مظهر الضعيف، ولم يكن غريبًا عليه أن يرفض أن يزوره أي أحد وهو على سرير المرض، مهما كانت مكانتهم عنده. الراحل محمد حسنين هيكل كان عميدًا للصحافة العربية بلا منازع، رجل قيّم ومبادئ، يؤمن بالعمق العربي لمصر، وتعرض للاعتقال والسجن بسبب معارضته الشرسة لاتفاقات كامب ديفيد، وبعد ذلك اتفاقات أوسلو، ووثق ذلك في كتب حظيت بشعبية واسعة. كان أنيقا في ملبسه وأسلوبه، ادخل المعلومة والخبر والرأي، فجاءت مقالاته “كوكتيلا” متميزًا في الصحافة العربية، انتظرها خصومه قبل مريديه، وما أقل الأوائل وأكثر الأواخر. اتهمه البعض بأنه كان "بوقًا" للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولا أعتقد أن هذه نقيصة، فقد أحب الرجل ورأى فيه زعيمًا عربيًا، احتل قلوب الغالبية الساحقة من العرب، وانتصر لقضية فلسطين والعروبة ومكافحة الاستعمار، اجتهد وأصاب وأخطأ ومات فقيرًا، أي عبد الناصر)، لم يترك ثروة ولا قصورًا، وأبدع الأستاذ هيكل عندما تحدث مرة عن سفره معه، (اي عبد الناصر) على ظهر يخت المحروسة الذي كان للملك فاروق، وقال انه ورفاقه تناولوا طعام اليخت الفرنسي الفاخر بينما اكتفى الرئيس جمال عبد الناصر بوجبته المفضلة الجبنة المصرية البيضاء المالحة مع شرائح الطماطم. ربما ينتقده البعض ويتطاول عليه آخرون، لانه كان قريبًا من الرئيس السيسي ونظامه، وهذا انتقاد صحيح، فالرجل لم يكن اي ود للاخوان المسلمين في اي يوم من الايام، ومن الطبيعي أن يكون حاله كذلك مع حكمهم، ولكن يمكن أن يجادل أحد بأنه كان مع مصر العربية، يقف في خندقها ويجاهر بذلك، وهذا حقه واختياره، الذي يجب احترامه، حتى لو عارضه البعض واختلفوا معه.