أكثر من 70 عامًا عاشها في بلاط صاحبة الجلالة، وظل محتفظا بلقب «الجورنالجي» حتى وفاته صباح اليوم الأربعاء، السابع عشر من فبراير 2016، الكاتب الصحفي الكبير «الأستاذ» محمد حسنين هيكل، الذي ولد عام 1923 في 23 سبتمبر في قرية باسوس بمحافظة الدقهلية، وحصل على دبلوم التجارة المتوسطة, ودبلوم فى القانون والإعلان بالمراسلة ودرس لمدة عامين بقسم الدراسات الاقتصادية بمدارس الليسيه الفرنسية. دخل «الأستاذ» عالم الصحافة قبل أن يتم عامه العشرين، وانضم إلى نقابة الصحفيين فى يناير 1948، ثم ذهب لتغطية حرب فلسطين عام 1948، وتعرف هناك على عدد من الضباط، بينهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتعددت اللقاءات بينهم قبل الثورة، وليس من الغريب أن يكون «هيكل» أول من دخل مقر قيادة الثورة على النيل، وتعرف على القادة الشبان الذين اختاروا اللواء محمد نجيب قائدا للثورة، ثم رئيساً للجمهورية حتى 1954. حاز «الأستاذ» على ثقة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذى وثق فيه كمستشار سياسي له، صدر له أول كتاب «إيران فوق بركان» عام 1951، بعد رحلة إلى إيران استغرقت شهرا كاملاً، إلى أن حرر أول كتاب للثورة كتبه عبد الناصر «فلسفة الثورة» وظل إلى آخر لحظة مع الزعيم الراحل. كان هيكل يفخر دائما بلقب «جورنالجي»، وظل محل حسد وغيرة شديدين، من معظم القيادات الصحفية المصرية، التى عاصرته منذ بداية ظهوره، حتى الذين تلقفوه محررا تحت التمرين واعتنوا به، حين كانوا هم أصحاب صحف كبيرة، فاستطاع خلال سنوات قليلة أن يصبح الكاتب الأوحد المقرب من الرؤساء والزعماء والمعبر عن أفكارهم، بينما ظلوا هم متجمدين فى مواقعهم ومناصبهم. لا أحد ينكر أن مولد هيكل الحقيقي كان في جريدة «الأهرام» أكبر قلعة صحفية فى الشرق الأوسط، خلال فترة توليه مسؤولية رئاسة تحريرها، وصعد بها إلى مصاف الصحف العالمية الكبرى، وكانت الأهرام توزع 100 ألف نسخة، ووصلت إلى قرابة نصف المليون نسخة حين تركها عام 1974، كما ارتفع دخلها من الإعلانات من نصف مليون جنيه سنويا عام 1957 إلى أربعة ملايين جنيه عند تركه لها. «الأستاذ» من قدم الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، إلى جمال عبد الناصر، الذى لم يكن يعرفه قبل ذلك، وكان الشخص الوحيد الذى كلف بمهمة السفر إلى العاصمة الليبية، والتعرف على قادة ثورتها بعد ساعات قليلة اندلاعها، ونقل صورة كاملة عن ملامح زعيمها «القذافي» إلى عبد الناصر. وفي عام 1968، فترة رئاسة أنور السادات لمجلس الأمة، ذهب للقاء هيكل في مكتبه بالأهرام، لكن اللقاء لم يتم، فانتظر السادات 45 دقيقة فى قاعة الضيوف الملحقة بمكتب هيكل، رغم وجود موعد سابق، وبعد أن تكرر إلحاح السادات للسكرتيرة بأن تسأل «الأستاذ» إذا كان يرغب فى تأجيل الموعد إلى يوم آخر، دخلت السكرتيرة وخرجت بعد ثوان، لتقول للسادات: «الأستاذ آسف يافندم.. اليوم الأربعاء، وهو مشغول بكتابة المقال، سيحدد لسيادتك موعدا آخر، إن شاء الله». ساهم فى ترتيبات نقل السلطة عقب رحيل الزعيم «عبد الناصر» إلى النائب الأول أنور السادات، واختلف «هيكل» مع الأخير بعد حرب أكتوبر بشدة، وكان الثمن إبعاده من الأهرام عام 1974، ثم مع زيارته لإسرائيل عام 1977، وكان الثمن إلقاء القبض عليه مع معظم كتاب وسياسي مصر فى سبتمبر 1980 قبل اغتيال «السادات» بأسابيع. توافق «الأستاذ» مع الرئيس الأسبق مبارك فى بداية عهده، لكن انتقده بشده فى محاضرة له بالجامعة الأمريكية، وظل يكتب المقالات والكتب التى توثق تاريخ مصر الحديث كله، وظل أيضا يظهر مع الإعلامية لميس الحديدى تليفزيونيا للحديث عن الأوضاع المصرية بعد الربيع العربي وثورة 25 يناير، واستمر فى علاقاته وقربه من الأحداث مع تولى المشير طنطاوى الحكم والرئيس الأسبق محمد مرسي ثم الرئيس المؤقت عدلى منصور وأخيرا الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، حتى رحل عن عالمنا اليوم.