بعد خمس سنوات من اندلاع الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، يحكم مصر مجددًا نظام بقبضة حديدية يسحق معارضيه ويصادر كل مساحة للاحتجاج، في وقت تواجه البلاد خطرًا جهاديًا متناميا واقتصاديا متداعيا. وباستثناء جماعة الإخوان المسلمين المحظورة الآن التي ينتمي إليها الرئيس الإسلامي المعزول محمد مرسي، لم تدع أي كيانات أخرى إلى المشاركة في تجمعات الاثنين في الذكرى الخامسة لثورة 2011. ومنذ أسابيع، كثفت الشرطة تدابيرها ضد معارضي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وألقت السلطات القبض على ناشطين معارضين خلال مداهمات ليلية، كما أغلقت وداهمت مراكز ثقافية ودور نشر تعد ملاذًا للأصوات والأفكار الناقدة للسلطة. ويقول مصطفى ماهر، عضو مؤسس في حركة 6 إبريل التي شاركت في إطلاق الدعوة الى ثورة 2011: "في وقت يتحدث الرئيس عن احتواء الشباب، يواجَه كل من شارك في ثورة يناير حملة اعتقالات شرسة وتلفيق اتهامات وهمية". ويروي ماهر أنه لا يستطيع المبيت في منزله مؤخرا خشية مداهمة أمنية شبيهة بتلك التي استهدفت زملاءه الناشطين، مضيفا: "رغم أنني لست مطلوبا على ذمة قضية بعينها، إلا أنه يمكن تلفيق اتهامات وهمية تزج بي في السجن". وشكلت عقود من انتهاكات الشرطة في عهد مبارك وقودًا للثورة التي اندلعت في 2011 وأشعل خلالها المتظاهرون عشرات أقسام الشرطة، خلال الأشهر الفائتة، بدا وكأن الانتهاكات تعود مجددا، إذ أفادت تقارير عن مقتل موقوفين في هذه الأقسام. ومنذ إطاحة الجيش بمرسي في يوليو 2013، قتل 1400 من أنصاره وسجن أكثر من 15 ألفا في حملة قمع واسعة امتدت لتشمل النشطاء العلمانيين واليساريين وكثيرين منهم من رموز الثورة، بينما صدرت مئات الأحكام بالإعدام في محاكمات جماعية نددت بها الأممالمتحدة. وأصبح السيسي، القائد السابق للجيش، الرجل القوي في البلاد متمتعا بشعبية كبيرة. وقد حقق فوزا ساحقا في الانتخابات الرئاسية في مايو 2014 بعدما أزاح كل أطياف المعارضة من المشهد السياسي. ويقول الباحث كريم بيطار من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس إن نظام السيسي سحق ثورة 2011. ويضيف لوكالة فرانس برس: “أصبح واضحا الآن أن الثورة المضادة انتصرت، وأن كل الآمال أحبطت، يسود مناخ غير صحي في مصر بعض جوانبه تذكر بالقمع العنيف”. ويتابع “الثورة صودرت ودفنت”. – أزمة ضخمة على صعيد الحقوق – وقالت منظمة العفو الدولية إن مصر اليوم “غارقة في أزمة حقوق إنسان ذات أبعاد هائلة”، فيما “يشهد البلد عودة الدولة البوليسية”. وأضافت في تقرير: “دفع المتظاهرون السلميون والسياسيون والصحافيون ثمن حملة لا هوادة فيها ضد المعارضة المشروعة تقوم بها الحكومة والقوى الأمنية”. والتظاهر اليوم ممنوع في مصر، وحذر السيسي نهاية الشهر الماضي من التظاهرات في ذكرى الثورة، قائلا إن الدول التي “تدمر لا تعود”. وكان ملايين المصريين تظاهروا في ميدان التحرير الذي انطلقت منه الثورة على مبارك مطالبين ب”العيش (الخبز)، حرية، عدالة اجتماعية”، بعد خمس سنوات، لم تتحقق أي من هذه المطالب. وسقط مبارك في 11 فبراير، وهو محتجز حاليا في مستشفى عسكري في القاهرة ويحاكم بتهمة قتل متظاهرين. في محيط ميدان التحرير، أغلقت السلطات خلال الأشهر الأخيرة منطقة مقاهي “البورصة”، وهي مركز رئيسي لتجمع الناشطين، كما أغلقت مركز “تاون هاوس″ ومسرح “روابط”، وهو مركز ثقافي يوفر مساحة لفرق هواة لتقديم عروض مسرحية وموسيقية، وتعرضت دار “ميريت” للنشر في المنطقة لمداهمة قبل ساعات من تنظيمها حفل توقيع كتاب عن الفساد. ويشكو صاحب الدار محمد هاشم من “محاولة لتأميم المجال العام”، ويقول “النظام يحاول حصار كل ما له علاقة بروح ثورة يناير: التحرير.. وسط البلد.. المراكز الثقافية”. ويرى البرلماني السابق مصطفى النجار بدوره أن “النظام الحاكم يعادي ثورة يناير”. ويضيف طبيب الأسنان الذي أصبح يكرس كل وقته حاليا لمرضاه: “نظام مبارك كان مقتنعا بأهمية وجود معارضة حتى لو شكلية، الآن لا يوجد أي منفذ لأي ممارسة سياسية سواء أكان عملا حزبيا أو نقابيا أو مجتمعا مدنيا”. – الاقتصاد مرهق – وتتحجج السلطات المصرية بال”حرب ضد الإرهاب” لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان، ويحذو الإعلام حذوها. ويقول مسؤول في وزارة الداخلية المصرية إن الإجراءات الأمنية “لا تهدف للتضييق على الشباب ولا تعاديهم بقدر ما تهدف لمحاولة تفادي الفوضى وتسلل العناصر المخربة”. وبات الاقتصاد مرهقا نتيجة عزوف المستثمرين وانحسار عائدات السياحة، فيما يواجه البلد هجمات مسلحة مستمرة تتبناها مجموعات إسلامية متطرفة بينها تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حازم حسني: “المصريون في حالة غضب وعدم رضا اقتصاديا، ظروفهم المعيشية تسوء كل يوم عن اليوم الذي قبله”، مضيفا: لكن شرائح واسعة من المصريين أرهقتهم أيضا سنوات الاضطرابات السياسية والأمنية. ويقول أحمد محمد الذي يعمل في المجال الإعلاني: “كفاية ثورة، مرت خمس سنوات والثورة أثبتت أنها عديمة النفع″. ويضيف محمد، وهو أب لطفلين: “خسرت خسائر فادحة في السنتين الأوليين ولا يمكنني تحمل المزيد”. في المقابل، يرى مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان جمال عيد أن “المقدمات والأسباب التي أدت لثورة يناير موجودة والخصومة الآن أكبر مع الدولة”، مشيرا إلى أن “حالة حقوق الإنسان الآن هي الأسوأ في تاريخ مصر، أسوأ من عهد الإخوان والمجلس العسكري ومبارك”. ويقول حازم حسني “إن استمرار سوء الأوضاع الاقتصادية وغياب أفق للمستقبل يمكن أن يجعل الأوضاع تنفجر في أي لحظة”.