بثت وكالة الأنباء الفرنسية خبرا الأحد الماضي حول أن النيابة الهولندية تدرس تقريرا صحفيا يكشف تورط روسيا في إسقاط طائرة الركاب الماليزية فوق أوكرانيا في يوليو 2014. النتائج التي توصل إليها الصحفيون التابعون لمجموعة تدعى "بلينجكات" تتوافق مع نتائج التحقيق الدولي في سقوط الطائرة بأن صاروخ أرض - جو من نوع بوك من صنع روسي أطلق من منطقة خاضعة للانفصاليين الأوكرانيين موالين لروسيا على الطائرة. نتائج مجموعة "بلينجكات" مثيرة للاهتمام حيث توصلت إلى أن قاذفة صواريخ من نوع بوك شوُهدت في 17 يوليو 2014 قبيل وقوع حادثة الطائرة في المنطقة الخاضعة للانفصاليين شرق أوكرانيا، بينما هي كانت أصلا في عداد رتل عسكري تابع للواء الروسي 53 المضاد للطائرات في قاعدة كورسك، كان يجري في تلك الفترة مناورات على مقربة من الحدود الأوكرانية، وتم تصوير قاذفة الصواريخ نفسها بعد حادثة الطائرة فتبين أنها نقصت صاروخا، وقد تم تحديد مجموعة من 20 عسكريا روسيا تابعين لهذا اللواء يعرفون الشخص الذي أطلق الصاروخ، أو أنه واحد منهم. ننتقل من الطائرة الماليزية واهتمام النيابة الهولندية بتقرير صحفي وجدت فيه معلومات جدية تجعلها تدرسه، إلى تقرير صحفي آخر نشرته جريدة "الديلي ميل" البريطانية في 26 ديسمبر الماضي يقدم رواية مختلفة عن الشائع بشأن سقوط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء المصرية يوم 31 أكتوبر الماضي منسوبة لضابط مخابرات روسي منشق يدعى بوريس كاربشكوف الذي قال إن تنظيم داعش ليس له علاقة بالحادث. تحدث كاربشكوف عن مزاعم مفادها أن المخابرات الروسية دبرت الحادث لتحقيق عدة أهداف سياسية ودولية تتعلق بدور موسكو في أوكرانيا وسوريا. ضابط المخابرات المنشق شرح ما زعم أن شخصيات رفيعة في الاستخبارات الروسية أبلغته أن أحد فروع الاستخبارات ويسمى "جي آر يو" هو صاحب مخطط تفجير الطائرة عبر أحد عملائها الذي سافر لشرم الشيخ وأقام علاقة مع شابة روسية كانت ستسافر على متن الطائرة المنكوبة وخدعها بأنه كان جنديا في الجيش الروسي وأنه تعرض لإصابة في أوكرانيا وأنه سافر إلى البحر الأحمر للتعافي من الإصابة، ثم طلب هذا العميل من صديقته توصيل هدية صغيرة لوالديه في روسيا، زاعما أن هذه الهدية كانت عبارة عن قنبلة وصاعقها يُعرف ب"إي أتش في 7" الذي يتم تصنيعه خصيصا لجنود القوات الخاصة فقط، كما زعم أن المادة المتفجرة هي السيكلونيت، وهي مادة ذات قوة هائلة وبديلة ل"تي ان تي". هذا هو ملخص الرواية، وقد تكون مختلقة، لكن الصحيفة البريطانية أوردت حادثة عنف وقعت في روسيا تم اتخاذها وسيلة للهجوم على الشيشان ملمحة إلى أنها قد تكون من فعل المخابرات الروسية لتبرير التدخل العسكري في هذا البلد في بداية عهد بوتين. هذا التقرير الصحفي البريطاني المستند على شهادة ضابط مخابرات روسي منشق هل يمكن أن تضعه لجنة التحقيق الرسمية في الطائرة الروسية ضمن ملف عملها؟. من الضروري هنا رصد مجموعة من الملاحظات المهمة في سياق مانكتبه اليوم من رؤية جديدة بشأن الحادث. 1 - سقطت الطائرة 31 أكتوبر فوق سيناء، ويوم 17 نوفمبر أعلنت روسيا أن الطائرة سقطت بعمل إرهابي بواسطة قنبلة، وحددت وزن القنبلة ب كيلو جرام واحد، ووصفتها بأنها بدائية الصنع. 2 - نجدد السؤال مرة أخرى، كيف استطاع الروس خلال 17 يوما فقط الوصول إلى هذه النتيجة الحاسمة؟، وماهى المعلومات والأدلة والإثباتات التي لديهم؟، هم فقط أعلنوا نتيجة دون أن يقدموا ما يسندها من تفاصيل حتى اليوم. 3 - لجنة التحقيق الرسمية أعلنت تقريرها الأولي 14 ديسمبر الماضي، ولم تصل بعد لنتائج حول سبب سقوط الطائرة، وأهم ما تضمنه التقرير قوله إن اللجنة لم تتلق حتى تاريخه ما يفيد وجود تدخل غير مشروع أو عمل إرهابي أدى إلى سقوطها، وهذا يعني أن روسيا لم تقدم مالديها من معلومات حول العمل الإرهابي الذي قطعت به، نفهم أيضا أن بريطانيا وأمريكا لم تقدمان ما لديهما من معلومات أقامتا عليها موقفيهما من احتمال تعرض الطائرة لعمل إرهابي. 4 - بالنسبة لتنظيم داعش الذي أعلن مسؤوليته عن إسقاط الطائرة فإن ما يحير في أمره أنه يأتي دوما بعد كل حدث يتعلق بتفاصيل جديدة عن الطائرة، فهو أولا أعلن مسؤوليته بعد سقوطها بساعات، ولم يتحدث عن كيف أسقطها، إنما ترك الأمر غامضا، ثم لما تحدثت لندن وواشنطن عن فرضية العمل الإرهابي خرج ببيان يجدد فيه زعمه بإسقاط الطائرة دون أن يقدم تفاصيل، ولما أعلنت روسيا سقوط الطائرة بقنبلة، خرج مقدما صورة قنبلة "شويبس جولد" زاعما أنها القنبلة التي أدخلها الطائرة، وتسببت في سقوطها، ووعد بمزيد من التفاصيل، لكنه حتى اليوم لم يقدم أي تفاصيل. ماذا يعني ذلك؟، هل داعش يتبنى الكارثة لإثبات قوته رغم الضربات العنيفة التي يتلقها من الجيش في سيناء؟، أم أن رواية الضابط الروسي المنشق يمكن أن تكتسب وجاهة وتكون جديرة بالتفكير فيها؟. فقط نذّكر هنا بحادثة اقتحام مسلحين شيشان لمسرح في موسكو عام 2002 وسيطرتهم على المئات بداخله، وقد رفضت السلطات التفاوض معهم، وقامت بضخ غاز داخل القاعة تسبب في وفاة عدد كبير من الرهائن وخاطفيهم في عملية قاسية تعرضت فيها روسيا لإدانات واسعة، والمعنى أن الهيبة وحسابات السياسة قد لا تعبأ أحيانا بقيمة وحياة البشر. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.