ان ما تمر به البلاد من تصارع يهدف في النهاية الي ضرورة توحد جميع القوي نحو وضع حلول قطعية والتكاتف من اجل الخروج من عنق الزجاجة ، من خلال تغيير الاهداف والرؤى التي اعتدنا عليها كمنهج ثابت في حل الازمات سواء كانت محلية او دولية ، ولن يتحقق ذلك الا باستخدام فكرة المرونة عن طريق تكييف وتعديل الحلول المطروحة بما يتناسب مع المتغيرات وعدم الالتزام باسلوب معين وغالبا ما تكون تلك الاساليب تقليدية عاف عليها الزمن ، كما انه لا غضاضة من اقتباس اي تجربة اثبتت نجاحها في الدول الاخرى ، هذا الفكر الايجابي الذي نستطيع من خلاله معالجة الممارسات حتي لو كانت في طريقها الي الحل طبقا للمعطيات التي تشهدها الاوضاع المروهنة بتلك الحلول ، فجمود بعض الافكار نحو معالجة الامور الهامة سيؤدي الي تفاقم الاوضاع وهنا تجدر بنا الاشارة الي وضع مصر في تقرير التنافسية العالمي لجودة التعليم حيث احتلت المركز قبل الاخير ، وان كان احتفاظ مصر بترتيب متأخر في القائمة افضل من خروجها بما يعد اقل المكتسبات ، ويحسب كاضعف الايمان في ظل الظروف الحالية ، بيد ان مصر لم تحتل اي مركز متقدما منذ عدة سنوات حيث كانت تتبادل موقعها مع الدول الخمس بنهاية التقرير. الامر الذي لم تضع المؤسسات العلمية من مراكز بحثية وهيئات علمية وجامعات خطوة نحو اصلاحه ، وهذا نتيجة قصور المنظومة العلمية في التواصل بينها وبين المجتمع للاطلاع علي متطلباته ، علاوة علي ضعف المشاركة بين القطاع الخاص وتلك المؤسسات ، لابتكار حلول علمية للمشكلات التي يواجهها ، كما ان دعم القطاع الخاص لمنظومة البحث العلمي في مقابل خدمات بحثية هدفا اصيلا في تقييم جودة التعليم والبحث العلمي بالتقرير ، وتراجع جودة التعليم قد يكون مترتبا علي ضعف ميزانية البحث العلمي في الدولة – بالرغم من وضوح النص الدستوري علي زيادته – وانخراط اعضاء هيئات التدريس والبحوث في المطالبة بمستحقاتهم ولا يخفى عن الكثير ان تكلفة البحث الواحد يُحمل مالا طاقة للباحث به ماديا في ظل انخفاض مرتبات تلك الفئة من المجتمع في الشهورالاخيرة ، ، وهنا كان حلول شفوية للأزمة دون الاعتماد علي مبدأ المشاركة الذكية ، فيعلن وزير التعليم العالي بانه لا مساس بمرتبات اعضاء هيئات التدريس والبحوث في حين ان وزارة المالية تمارس سلطتها في خفض الاجور ، هذا التضارب الذي دفع بعض من اعضاء هيئة التدريس للتظاهر ، فترك العلماء جهادهم المقدس وخرجوا من محرابهم ، متجهين نحو قبلة الصراع والنزاع. فكان من الاجدي علي الحكومة ان تتبع طريقة المشاركة الذكية والتفكير المرن ليس في ايجاد حلولا لعلماء واساتذة الجامعات فحسب بل في مناقشة اسباب تخلف مصر عن الركب العلمي في تقرير التنافسية العالمي ووضع خطة بحثية ومشروعا علميا وطنيا شامل لكافة المؤسسات العلمية والبحثية وتوفير الامكانيات الازمة لذلك حتي تستطيع الدولة حصاد مركزا متقدما في تقرير التنافسية في العام القادم. هذا التقرير الذي يعد معيارا وتقييما للدول من ناحية التفوق العلمي والابتكار والاختراع. والجدير في الامر ان مصر تعد من اكبر الدول الطاردة للعلماء ، وحينما توفر لهم الدول الحاضنة الظروف المناسبة والمناخ الملائم تصبح بهم في مصاف العلم ، فالسعودية تعد من الدول الاكثر انفاقا علي البحث العلمي لذا تهيأ لها الوضع المناسب والترتيب المتقدم لعدة سنوات في تقرير التنافسية العالمي ، ودولة الكيان الصهيوني تنفق ما يعادل 5 اضعاف مصر علي البحث العلمي ، حيث تنفق 4.7 في المائة من دخلها القومي بالمقارنة بالدولة المصرية التي لم تصل حتي الان الي واحد في المائة انفاقا. علاوة علي كل ما سبق يعد نقص عدد الباحثين في مصر لكل مليون نسمة ودخلهم المالي لا يتناسب مع المعايير العالمية التي يعتمد عليها تقرير التنافسية لجودة التعليم والبحث العلمي. لذا كان لزاما علي الدولة ان تضع خطة مستقبلية لتطوير المنظومة العلمية بأكملها ، مع توفير الضمانات الكافية لحماية هذه المنظومة ومعالجة الامر عن طريق التفكير المرن حتى لو كان باقتباس تجربة ناجحة من احدى الدول وتطبيقها.