تدخل تركيا في أزمة عنيفة مع روسيا بعد أن أسقطت مقاتلتها "سوخوي 24" صباح الثلاثاء 24 نوفمبر الجاري لأنها اجتازت خط الحدود، وانتهكت سيادتها كما قالت أنقرة. الأزمة بين البلدين كانت قائمة، إنما مكتومة، وجاء إسقاط الطائرة ليفجرها، ويجعلها واضحة، وبلا مواربة، ويخرج كل طرف، وخاصة الروسي، ما في جعبته، ويقوله علنا بعد أن كان يلمح به فقط. على جانب تركيا فإن الأزمة ليس منشأها الموقف الروسي الداعم سياسيا وعسكريا للأسد فقط منذ تفجر الانتفاضة ضده مما منع سقوطه، إنما الأزمة دخلت منعطفا مقلقا لها بعد أن أمسكت موسكو بزمام العمليات العسكرية مباشرة، وصارت متحكمة في القرار العسكري، ومسيطرة تماما على السماء السورية، وتقوم بالقصف أينما تشاء، وهنا نعدد الأسباب التالية لتفاقم وتعقد الأزمة من وجهة النظر التركية: 1 - الشكوك حول كون روسيا تستهدف داعش فقط، إنما تتخذ من ضرب هذا التنظيم غطاء لقصف جماعات المعارضة المعتدلة، والمدنيين السوريين، لقلب المعادلات على الأرض لصالح الأسد. 2 - القصف الروسي يحافظ على وجود الأسد، ويتيح لقواته ولعناصر إيران وميليشياتها الطائفية قوة على الأرض لاستعادة ما تفقده المعارضة من أراض بضربات الروس لها، وتركيا لا ترغب ببقاء الأسد، وتدعم إخراجه من السلطة بأي شكل وثمن. 3 - بين الأتراك والروس تاريخ طويل من الحروب منذ الدولة العثمانية، ووجود روسيا اليوم بقوات عسكرية على حدود تركيا، ثم تقوم بعمليات مباشرة يزعج تركيا، ولا يجعلها مستريحة، وهى ترى سماء سوريا تحت السيطرة الروسية، وترى نفسها مكشوفة للروس، كما لا يريحها أن يكون عدو الماضي اللدود هو جار ملاصق لها اليوم، ومتحكم في جوارها، ويفعل فيه كما يحلو له. 4 - رذاذ القصف الروسي بات يطال تركيا ومصالحها مباشرة، فقد سبق وانتهكت مقاتلة روسية أجواءها، واعتذرت موسكو، وقبل أيام احتجت تركيا لدى روسيا على قصفها التركمان داخل سوريا في جبل التركمان بريف اللاذقية، وهى جماعة عرقية من أصول تركية. 5 - الوجود الروسي في سوريا صار يتجاوز الدعم السياسي وتقديم العتاد العسكري للأسد إلى أن تكون العمليات العسكرية وإدارة الحرب في أيدي الروس مباشرة، وكأن سوريا امتداد لروسيا، أو جمهورية تابعة لها، وهذا يقلل من قدرة تركيا على دعم المعارضة التي باتت في بؤرة استهداف الروس، لتجد أنقرة نفسها في موقف لا تُحسد عليه، إذ أن المعارضة المعتدلة تتعرض للضربات، وهى غير قادرة على التدخل المباشر، ولو تدخلت فسيعني ذلك حربا مع الروس، وبالتالي يأتي إسقاط الطائرة ليكون نتيجة طبيعية لفصول الأزمة المتصاعدة بين البلدين. أما الطرف الآخر في الأزمة، وهو روسيا الغاضبة من إسقاط طائرتها، والجريحة في كرامتها وهيبتها وكبريائها بينما أحد الأهداف البعيدة لحملتها في سوريا هو فرض الهيبة الدولية، واستعادة الثنائية القطبية مع أمريكا، فإنها أخرجت ما في جعبتها ولم تكن تتحدث عنه بذلك الوضوح من قبل، إنما كانت تبعث ببعض الإشارات، وكانت إشارتها الأخيرة المبطنة خلال قمة العشرين التي احتضنتها تركيا قبل أيام على لسان بوتين الذي شارك فيها أن هناك دولا في مجموعة العشرين تدعم إرهاب داعش. وما قاله بوتين بعد إسقاط طائرته، وكلامه كان موجها لتركيا، يكشف حجم التوتر بين البلدين، وينبه إلى تداعيات قادمة يصعب التنبؤ بها على صعيد العلاقات الثنائية، والتحالفات الاقليمية، والحرب في سوريا، ودور ومستقبل الأسد، والوجود الروسي في المنطقة، والذي قد يتمدد إلى أبعد من سوريا، وهذا ما قاله قيصر روسيا الجديد وهو كلام خطير. 1 - إسقاط المقاتلة طعنة في الظهر من أعوان الإرهاب، وستكون له عواقب وخيمة. 2 - روسيا سجلت منذ وقت طويل وصول كميات كبيرة من النفط ومنتجاته إلى تركيا من الأراضي المسيطر عليها من قبل داعش، وتركيا ظلت مصدرا هاما لتغذية العصابات الإرهابية بالأموال. 3 - لدى داعش الأموال الطائلة، والحديث يدور عن عشرات ومئات الملايين، وربما مليارات الدولارات الواردة من تجارة النفط، وهناك دول تقدم لهم حماية مسلحة. 4 - الطائرة أُسقطت رغم عقد اتفاقية بين روسياوأمريكا لمنع مثل هذه الحوادث الجوية، وتركيا في صفوف هؤلاء الذين ادعوا أنهم يقاتلون ضد الإرهاب ضمن التحالف الأمريكي. 5 - لماذا تتوجه تركيا إلى حلف الناتو بعد إسقاط المقاتلة بدلا من أن تتصل مع موسكو، كأننا نحن الذين أسقطنا طائرة تركية، وليس هم الذين أسقطوا طائرتنا، هل هم يريدون تسخير الناتو لخدمة داعش؟. هى إذن اتهامات خطيرة ومباشرة من روسيا للأتراك بأنهم أعوان الإرهاب في سوريا، ويقومون بتغذية داعش بالأموال. وفيما يتردد في الأوساط السياسية والإعلامية الروسية أن أحد أسباب إقدام تركيا على إسقاط الطائرة هو الانتقام من الضربات التي وجهتها المقاتلات الروسية لصهاريج النفط بحوزة داعش، والناقلات التي تحمله إلى تركيا، لبيعه وتسويقه هناك، ويذكرون أنه تم قصف أكثر من ألف صهريج وناقلة خلال القصف الروسي في الفترة الأخيرة. ماذا سيحدث إذن؟. المؤكد أن تركيا لها حساباتها، وهى نالت دعما أمريكيا بتأكيد وزارة الدفاع أنه صدرت عشر تحذيرات تركية فعلا للمقاتلة، وكذلك إعلان الرئيس أوباما أن من حق تركيا الدفاع عن مجالها الجوي، أما روسيا فإن بوتين قال لن نتسامح أبدا مع جرائم مثل تلك التي ارتكبت اليوم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.