حملة المداهمات التى قامت بها النيابة العامة، ضد جمعيات حقوقية يوم أمس الأول، تعتبر حملة غير مسبوقة.. لأنها ولأول مرة تستهدف مقار منظمات ظلت على مدى العقود الأربعة الأخيرة فى حصانة "الإرهاب" الرسمى الغربى، وفى حماية "فزاعة" تجويع الشعب المصرى، وقطع "إعانات الإعاشة" عنه. اللافت هنا أن ثمة "جسارة" لم نعهدها فى التعاطى مع "واشنطن" ومع عواصم غربية أخرى.. وعادة ما كانت تلك القوى الدولية حاضرة فى حسابات صناعة القرار الداخلى، حيث كانت الأخيرة تميل إلى استرضائها، وعدم استفزازها حتى لو كان على حساب الأمن القومى. المنظمات الحقوقية الغربية والمرتبطة بالكونجرس الأمريكى وبأجهزة المخابرات الدولية، ظلت "ترتع" فى مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد، والتحول من الاعتماد على الدعم من منظومة الدول الاشتراكية إلى الغرب الرأسمالى.. ظلت ترتع بلا رقيب أو حسيب.. فى الوقت الذى خضعت فيه الأراضى المصرية بالكامل لعمليات تجسس واسعة النطاق من قبل تلك المنظمات بالتعاون مع وكلائها المصريين مقابل "تمويل" مالى يتسم بالسخاء وبلا أسقف تقريبا. ما حدث فى اليومين الماضيين، كان رد فعل على "تهرب" المئات من جمعيات حقوق الإنسان فى مصر، سواء المصرية والأجنبية من تقديم ما يفيد ترخيصها للعمل أو ما يثبت وجه إنفاق الملايين من الدولارات التى أنفقتها خلال الشهور القليلة الماضية. المال الذى تدفق على مصر وإلى "بوتيكات" حقوقية ديكورية فى أغلبها، لا يمكن أن يكون قد قدم خاطر عيون المصريين بلا مقابل.. أو لأن الشعب المصرى البائس "صعب" على حامل الشيكات الأجنبى، فأرسل الأخير قوافل "الخير" لإغاثته والتى تنفق بكل هذا السخاء فقط ل"وجه الله".. ولا تريد من المصريين "جزاءً ولا شكورًا"! الدلالة المهمة والمدهشة أيضا هنا أن النيابة العامة داهمت 17 منظمة شملت منظمة "فريدوم هاوس"، والمعهد الديمقراطى الوطنى، والمعهد الجمهورى الدولى، وهى منظمات أمريكية.. ومرتبطة بأجهزة أمنية أمريكية أيضا.. وهى "جسارة" تشير إلى أن ثمة أمرًا "جلل" فى الموضوع كله.. وأنه لولا استشعار السلطات العسكرية المصرية بأن المسألة وصلت إلى حد الكارثة ما قررت "تحدى" الإدارة الأمريكية بهذا الشكل المفاجئ والصريح.. غير مكترثة بتداعيات مثل هذا القرار على مستقبل المساعدات العسكرية التى يتلقاها الجيش المصرى سنويًا من واشنطن. الصخب والزعيق والصوت العالى فى فضائيات رجال الأعمال الفاسدين لن تجدى نفعًا.. الحملة هذه المرة تتحرك بشكل يتسم بالجدية وتحدٍ غير مسبوق للقوى الدولية الكبرى وعلى رأسها واشنطن.. رغم العلاقات الوطيدة بينها وبين القاهرة من جهة وتحديث الجيش المصرى استنادًا إلى الخبرة والمدرسة والتكنولوجيا الأمريكية من جهة أخرى.. فلا داع إذن إلى الشغب فى وسائل الإعلام ولنترك لجهات التحقيق الفرصة فى تحرى الحقيقة والإعلان عنها. [email protected]