"المخدرات والجنس" أبرز أدوات السماسرة لاستغلالهم بعد أن كانت الهجرة غير الشرعية مقصورة على الشباب فقط، اتسعت لتشمل الأطفال أيضًا وكان ذلك مع تفشى ظاهرة الفقر والجوع مع ازدياد نسبة البطالة للشباب فى مصر. فعلى أعتاب الحدود الإيطالية واليونانية والبلاد الأوروبية, يتوافد عدد كبير من الأطفال القصر بطريقة غير شرعية لبلاد الروم, هؤلاء الأطفال لا تقل أعمارهم عن 11 عامًا و15 عامًا, يذهبون إليها حاملين معم أحلام وآمال لا تتحقق داخل البلاد إنما تتحقق خارجها.
فهناك مئات الأطفال يستقلون "مراكب الموت" بعد أن تسلمهم أسرهم إلى السماسرة، الذين يجوبون القرى والمراكز بحثًا عن الراغبين فى تسفير أطفالهم خارج مصر، لكي يجدون هناك فرصة للكسب ويحصل السماسرة على مبالغ ضخمة مقابل توفير المراكب وتنظيم الرحلات، وتصل هذه المبالغ إلى 50 ألف جنيه من أجل توصيل الطفل إلى السواحل الإيطالية أو اليونانية.
ولم يقتصر الأمر عند حد التجارة بالأطفال وتهجيرهم، عبر سواحل البحر المتوسط المصرية، لكنها تنقلهم أيضًا من السلوم إلى شواطئ ليبيا, بالتنسيق مع سماسرة لهم شبكات فى مصر وأخرى فى إيطاليا، مستغلين فى ذلك القانون الايطالي, الذي يمنع ترحيل الأطفال والقصر المهاجرين إليها، وتوفر السلطات الإيطالية لهم أماكن فى مؤسسات اجتماعية مفتوحة، أي تسمح لهم بالدخول والخروج منها دون قيود، فتلك المؤسسات لا تعتبر نفسها سجونًا، وهذه الحرية هى التي تلقى بالأطفال فى شوارع إيطاليا، خاصة روما، ومن هنا تستغلهم العصابات فى تجارة المخدرات والجنس والدعارة، أو بيع أعضائهم البشرية. وهذا ما يؤكده الدكتور هاني هلال, أمين عام الائتلاف المصري للنهوض بالطفل، الذي قال إن ظاهرة المتاجرة بالأطفال فى تنامٍ مستمر، لكن الأكثر خطورة تهريب آلاف الأطفال سنويًا عبر الحدود إلى السواحل الليبية، من خلال شبكات دولية. وأشار هلال إلى أن وزارة الخارجية خاطبت أكثر من مرة الحكومة الإيطالية للتدخل لدى جمعيات رعاية الأطفال، بهدف الحد من سيطرة العصابات عليهم، خاصة أن هناك إحصائيات تشير إلى أنه يتم تهريب نحو 9 آلاف طفل مصرى سنويًا، معظمهم يعمل فى تجارة المخدرات ويتم استغلالهم جنسيًا، مبينًا أن الخارجية تباحثت مع السلطات الإيطالية، قبل 4 سنوات، بشأن توقيع بروتوكول تعاون، بمقتضاه تقدم المنح للقرى المصرية التي يخرج منها أعداد هائلة من الأطفال لتهريبهم، كما أن "المؤسسة المصرية للنهوض بالطفل" أرسلت الكثير من التقارير حول الظاهرة للأمم المتحدة والخارجية المصرية والصليب الأحمر الدولي، بشأن إعادة الأطفال مرة أخرى، لكن هذه التقارير لم تجد استجابة. فيما قال الدكتور ناصر مسلم، مسئول برنامج الحد من الهجرة غير الشرعية بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، إن ظاهرة هجرة الأطفال بدأت منذ 2008، أي قبل ثورة 25 يناير وما تلاها من انفلات أمني، ويعلم أهالي الأطفال حقيقة القانون الإيطالي الذي ينص فى إحدى مواده على أنه "كل طفل تطأ قدماه الأراضي الإيطالية، غير مصحوب بعائل، فهو تحت حماية السلطات الإيطالية" أي أن الطفل أقل من 18 سنة الذي يصل إيطاليا لن يجبر على العودة إلى بلاده، وهناك يتم دمج الطفل فى أماكن إيواء اجتماعية ومدارس، إلى أن يبلغ 18 سنة، بعدها يدمج فى المجتمع الإيطالي، وبعد مرحلة من الوقت يخير بين البقاء فى إيطاليا أو العودة إلى وطنه، والغالبية يفضلون البقاء، ومن ثم يواصل سماسرة الهجرة غير الشرعية تشجيع الأهالي على تهريب أطفالهم، شريطة أن يحصلوا من الأطفال على المعونات المالية التى تقدمها المؤسسات الإيطالية أو إجبارهم على العمل فى مهن حقيرة مثل أعمال التسول. وأكد مسلم أن معظم الأطفال، يتمركزون فى ثلاث مناطق بإيطاليا هى: "روما" و"ميلانو" و"تورينو"، أما مناطق انطلاقهم من السواحل المصرية فهى "إدكو" "ورشيد" و"أبو قير"، أو يتم تخزين الأطفال من كل الجنسيات: المصرية والصومالية والسورية والعراقية، فى رشيد، تمهيدًا لتهريبهم إلى سرت الليبية الأقرب لمدينة "كلاباريا"، التي يتطلب الإبحار لها 7 أيام. وقال إن أكثر المحافظات تصديرًا للهجرة غير الشرعية فهى "أسيوط والغربية والدقهلية والفيوم والمنوفية والشرقية"، وأكثر المراكز والقرى تهجيرًا فهى "أبنوب وموشا" بأسيوط و"أطسا" بالفيوم وكفر "كلا الباب" بالغربية و"مطوبس" بكفر الشيخ. وفى نفس الصعيد, قالت السفيرة نائلة جبر, رئيسة اللجنة الوطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية بوزارة الهجرة, إن عدد الأطفال الفارين من مصر إلى إيطاليا واليونان كبير جدًا وفقًا لتقارير الوزارة, مع العم أن أهالي هؤلاء الأطفال هم من يقيمون بتهريبهم عن طريق سماسرة مقابل مبالغ طائلة منهم والحصول على نسبة من أموال المؤسسات الإيطالية. وأكد جبر خلال تصريح خاص ل"المصريون", أن وزارة الهجرة أعدت قائمة عقوبات تفرض على أهالي الأطفال والسماسرة المهربين وقدمتها لوزارة الخارجية, حتى تتمكن من تنفيذ تلك العقوبات وتلك العقوبات تصل إلى السجن المؤبد وغرامات مالية كبيرة عليهم. وأشارت السفيرة إلى أنه هناك تشاورات دائمة بين مصر والسلطات الإيطالية من أجل هؤلاء الأطفال, خاصة أن عصابات المافيا يستخدمهم فى عمليات تهريب المخدرات وتجاره الأعضاء إلى جانب الاستغلال الجنسي لهم.