مسألة محيرة بالفعل ، إذا نجح الإسلاميون في تحقيق مكاسب كبيرة في منطقة نشطت حملة للتخويف من التيار الإسلامي وهيمنته على البرلمان ، وإذا أخفق الإسلاميون في منطقة أو خسروا مقاعد انتشرت روح الشماتة والحديث عن أن الشعب يلفظ الإسلاميين ويعاقبهم ، كما كان يقال سابقا : نفتح الباب أم نغلقه ، هل تريدون تحجيم الإسلاميين في البرلمان أم تريدون ترك الممارسة الديمقراطية في مداها ويفوز من يفوز . في تقديري أن البرلمان المقبل يحتاج إلى توازن ، وليس من صالح أي قوة سياسية في مصر الآن أن تستحوذ على أكثر من خمسين في المائة ، لاعتبارات كثيرة ، في مقدمتها إرسال رسائل طمأنة ضرورية إلى الرأي العام وإلى القوى السياسية المختلفة بأننا في مرحلة مشاركة وليس إقصاء ، وأن الثورة كانت مفتاح الحرية والتمكين لكل القوى الوطنية التي عانت من ديكتاتورية النظام السابق وعنفه وتهميشه للجميع ، وأنه ليس في تقدير أو تخطيط أي قوة الآن أن تمارس نفس ما كان يمارسه النظام السابق من تهميش للآخرين ، حتى لو كان هذا التهميش باستخدام أدوات ديمقراطية . الإسلاميون فازوا في الجولة الأولى بما مجموعه يقترب من 55% ، ومن المحتمل أن تقل هذه النسبة في الجولتين الباقيتين بصورة أو بأخرى ، ليس لأن نفوذ القوى السياسية الأخرى شعبيا أكثر في تلك المناطق ، ولكن لأن تركيبة تلك المناطق تختلف عن تركيبة جغرافيا المرحلة الأولى ، فالصعيد تحكمه حسابات لها طابع عائلي وقبلي أكثر من الطابع السياسي ، كما أن الحضور الجماهيري لبعض التيارات الإسلامية أقل في الصعيد من تيارات أخرى ، إضافة إلى أن أكثر من حزب إسلامي كبير ، مثل الحرية والعدالة والنور أصبحا أكثر اطمئنانا الآن وأقل توترا بعد النتائج المبهرة التي تحققت لهما في الجولة الأولى . كنت أتمنى من أشهر ، وكتبت عن ذلك ، أن تكون هناك قوائم مشتركة للأحزاب والتيارات الإسلامية وغيرها من الأحزاب والقوى تنزل إلى البرلمان ، بحيث يكون برلمانا توافقيا أكثر منه برلمان مغالبة ، ولكن "شياطين الإنس" وسوسوا إلى بعض الأحزاب والقوى الليبرالية لكي ينقضوا الاتفاقات ويطرحوا مطالب أكبر من حجمهم كثيرا ، وها هم يجنون "العلقم" بعد النتائج المخزية التي حققوها في الجولة الأولى ، وسببت إحراجا كبيرا لهم وربما صدعا لا يلتئم بعد انتهائها . سيحتاج كل من حزب البناء والتنمية المعبر عن الجماعة الإسلامية وحزب الوسط إلى بذل المزيد من الجهد في الجولتين لتحقيق حضور برلماني لائق ، وهما قوتان جديرتان بذلك الحضور ، لما يملتكانه من كفاءات وكوادر على أعلى مستوى سياسي وعلمي وأخلاقي ، وإن كنت أتمنى أن يخفف المهندس أبو العلا ماضي وقادة الوسط من لغة الصدام مع القوى الأخرى ، لأن هذا يخصم من رصيدهم ولا يضيف ، كما أنهم كما أعرف أكثر تساميا من مثل هذه المعارك الصغيرة . [email protected]