يمكننا القول الآن أن السياسة قد بدأت في مصر, فلا سياسة بدون منافسة وتنوع وانتخابات نزيهة, وبعد ذلك مباراة ما بين حاكم ومحكوم يحاول فيها الأول إثبات ذاته وقدراته في إدارة البلاد. ويحاول الثاني أن يستخلص منه أحسن ما فيه بينما يجهز البديل له إذا حاد عن الطريق أو ثبت أن ما يقدمه من سياسات ليس لها من الفاعلية ما يعتقد فيها. وما جري خلال الجولة الأولي للانتخابات من تحالفات وتوافقات تم تجميعها وفكها بين اتجاهات متناقضة تدل علي مدي المرونة التي تتمتع بها الساحة السياسية المصرية. فمن كان يصدق أن يضع الإخوان المسلمون ليبراليا أصيلا مثل الدكتور وحيد عبد المجيد علي رأس واحدة من قوائمه; أو يضع يساريين ناصريين مثل الدكتور محمد سعيد إدريس والأستاذ أمير إسكندر في قوائم أخري; أو يقف السلفيون وقفة حماسية مع الأستاذ مصطفي بكري; أو تتنافس أحزاب ليبرالية وإسلامية علي أفراد من الفلول المستقلين في محافظات عدة. نجحت السياسة في أن تحشد الجماهير في النهاية لكي تقف أمام صناديق الانتخابات; ورغم التقدم الواضح لأحزاب الإسلام السياسي إلا أن التجربة أثبتت أن التيار من الاتساع بحيث يحتوي أجنحة ليبرالية وأخري محافظة وثالثة راديكالية, ولكنها لحسن الحظ علي الأطراف. وعلي الجانب الآخر فرغم التراجع الواضح أيضا في أحزاب ليبرالية أصيلة إلا أن التحالف ما بين حزب ليبرالي وحزبين من الاشتراكيين الديمقراطيين كان واحدا من مفاجآت الانتخابات التي تضيف ألوانا سياسية متعددة علي اليمين واليسار. ولما كان في الطريق جولتان باقيتان للانتخابات في ثماني عشرة محافظة فإن الألوان سوف تتعدد وتزيد, والتفاعل السياسي فيها سوف يكون أكثر غني, وفيما نأمل أكثر رشدا. نعلم أن كل ذلك جديد علينا, وربما تجنح هذه القوي أو تلك يسارا أو يمينا جنوحا تحوله أجهزة الإعلام إلي عشرة أضعاف ما كان فيه, فإن المهم هو أن نتعلم أن الديمقراطية كما قال تشرشل ربما تكون أسوأ النظم السياسية, ولكن لا يوجد نظام آخر أفضل منها. هي في جوهرها تنافس ومجاهدة مع الآخرين في الساحة الذين يملكون أفكارا وسياسات مختلفة, ولكنها من ناحية أخري مجاهدة للذات حتي لا تأخذها العزة بالإثم, أو يطغي عليها الاستكبار بالحقيقة المطلقة. السياسة في الديمقراطية هي المسئولية الجماعية للمشاركين حول تحقيق مصالح شعب في التقدم, وحماية وطن من التخلف والانكسار. [email protected] المزيد من أعمدة د.عبد المنعم سعيد