خسر حزب الوفد في الانتخابات الأخيرة خسارة فادحة ، بل يمكن القول بأن الوفد كان أبرز الخاسرين في تلك الانتخابات ، خسر الوفد بيده ، لا بيد غيره ، فقد كان الوفد قريبا من الوجود القوي في البرلمان الجديد عندما دخل في التحالف الوطني مع الإخوان وكان من الممكن أن يحوز الوفد على عشرين أو خمسة وعشرين في المائة من المقاعد إذا استمر في التحالف ، ولكن بعض "المتعجرفين" في الهيئة العليا الذين تصوروا أنفسهم في مقام "سعد باشا زغلول" أجبروا السيد البدوي على فض التحالف والدخول منفردا في انتخابات عنيفة ومعلوم للقاصي والداني أن التيار الإسلامي سيكون صاحب اليد الطولى فيها . تقريبا لم يحصل الوفد على شيء يذكر في الجولة الأولى ، وقد يوفق في جولات أخرى ويحقق نتائج أفضل ، ولكن المؤشرات الآن تقول أن الوفد ربما تتزايد خسارته في الجولتين المقبلتين ، ليس لأن مرشحيه فيها سيكونون الأسوأ ، ولكن لأن الهيمنة على قرار الوفد الآن أصبحت في يد المتطرفين ، وبدلا من أن يعيدوا حساباتهم ويعترفوا بالهزيمة ويدرسوا أسبابها الحقيقية لمحاولة تلافيها في المرحلتين المقبلتين ، اندفعوا في "هوجة" شتائم وغمز ولمز وادعاءات شديدة الإسفاف ضد التيار الإسلامي ، وكنت أربأ بحزب في تاريخ الوفد ومكانته أن يلجأ إلى مثل هذا "الردح" السياسي المتدني ، فماذا ترك لأحزاب بير السلم . مشكلة السيد البدوي أنه لا يملك الكاريزما الكافية لانتزاع القرار داخل الحزب ، ويخضع لرموز ليبرالية متطرفة للغاية ، وبعضها يحتفظ بعلاقات وثيقة مع سفارات غربية ويراهن عليها ، والبعض الآخر حاول الرهان على المجلس العسكري والتزلف إليه بفتح قنوات غزل من خلف الستار ومحاولات تخويف من التيار الإسلامي والتلميح بأن مصالح العسكر هي إلى الوفد ورسالته أقرب ، وإذا استمرت خسارة الوفد في الجولتين المقبلتين فالمؤكد أن البدوي سيخسر رئاسة الحزب ، كما أن الحزب نفسه سيخسر البدوي ، لأن الرجل رغم كل الخلاف يحمل رؤية ليبرالية معتدلة وأكثر ميلا إلى المشاركة والتحالف مع قوى المجتمع الحية الأخرى ، كما أنه عقلية إدارية وتنظيمية مميزة ، وفي ظل فترة قيادته القصيرة للحزب استعاد الحزب كثيرا من بريقه وحضوره السياسي والإعلامي . حزب الوفد يندفع الآن بقوة نحو التطرف ، واللغة التي يستخدمها الحزب الآن وأدواته الإعلامية وملحقاتها في الإعلام الخاص ستضاعف من سوء النتائج ، لأن الناخب اليوم أكثر نضجا وأكثر وعيا في تقييم التيارات السياسية المختلفة ، وهناك أحزاب إسلامية خسرت الكثير من تعاطف الجمهور معها بسبب رعونة بعض قادتها واللغة العصبية والمتشنجة التي تتعامل بها مع المخالف وعبر وسائل الإعلام ، مما جعل قطاعا غير قليل من الناخبين يغير بوصلة اختياره في اللحظات الأخيرة إلى أحزاب أخرى لم يكن يفكر في التصويت لها . [email protected]