دهشت من الخبر الذى أورده موقع (الأمة اليوم)، وتناقلته عنها كثير من المواقع العنكبوتية؛ بأن بعض سلفيى مدينة (دماج) فى منطقة (صعدة) اليمنية ناشدوا تنظيم (القاعدة) أن يهبّوا لنجدتهم من الحصار الحوثى الفاجر عليهم، وأدركت -إن صحّ الخبر- أن (هولوكست) حوثياً فى قادم الأيام؛ ستجتث هؤلاء السلفيون فى (دماج)، وأن الأخيرين لم يستنجدوا ب(القاعدة) إلا وقد بلغ اليأس غايته فى نصرة أحد لهم، وهم الذين لا يقارنون أبداً فى المجال العسكرى والقتالى ولا التسليح، بقدر أولئك الحوثيين المتمرّسين الذين تدعمهم إيران. المتخصص فى الجماعات الإسلامية يدرك أن آخر فرقة يمكن أن يستنجد بها طلبة العلم السلفيين هؤلاء هم (القاعدة) وأتباعها، فتلك المدينة اليمنية (دماج) التى تقبع وحيدة فى محيط حوثى أو زيدى بالشمال اليمنى؛ لديها معارك (فتاوى) عديدة كفّروا فيها الحوثيين، وقد بنى فيها الشيخ مقبل بن هادى الوادعى - أحد أشهر العلماء السلفيين- مدرسة (دار الحديث) المعروفة فى وسط طلبة العلم، وتنتهج لوناً سلفياً يقوم على الطاعة المطلقة لولاة الأمر والحكام، وتحريم الخروج عليهم، وكان هؤلاء من أشدّ المدارس السلفية تشنيعاً على (القاعدة) وأدبياتها،وهم أمهر وأحذق من فكّكوا الخطاب الشرعى الذى اعتمدت عليه تلك الفئة الضالة للخروج على الحكام. ل(دماج) و(دار الحديث) قصص، ربما يحسن تسليط الضوء - ابتداءً - على هذا الشيخ اليمانى الشهير الذى عاش بالمملكة، وارتبطت المدينة والمدرسة الشهيرة هناك باسمه، وقد سألت عنه قبل شهور فضيلة الشيخ الصديق عبد اللطيف باشميل، وحكى لى قصته بالكامل، ذلك أن الوادعى أُخرج من المملكة إبّان أزمة الخليج فى أوائل تسعينيات القرن الفارط، وقت استعانتنا بالقوات الغربية لطرد صدام حسين من العراق، وكان الرجل أحد العلماء السلفيين الذين لم يروا جواز ذلك، مخالفاً إجماع هيئة كبار العلماء بالسعودية، وانحاز لرؤية شيخه محمد ناصرالدين الألبانى، وهاجم المملكة وولاة أمورنا بعد ذلك بسلسلة مقالات وأحاديث فى دروسه العلمية. ويشاء الله تعالى أن يمرض هذا العالم المتّسم بشدّته مع المخالفين ولم يجدوا له العلاج باليمن، وبتوسّطٍ من الشيخ محمد العثيمين - يرحمه الله - وافقت المملكة على علاجه فى مستشفياتها، ومن مروءة الوادعى، أن سطّر ذلك فى كتاب ألّفه قبل أن ينتقل لرحمة الله بوقت قصير، تراجع فيه عن تلك الآراء، وعنون كتابه ب(مشاهداتى فى المملكة العربية السعودية) قال فيها:" ثم أدخلنا المستشفى وبقينا فيه نحو عشرة أيام وقالوا: الرحيل إلى الخارج يا أبا عبد الرحمن. خيراً إن شاء الله، وقدمنا إلى جدة واستُقبلنا فى فندق الحمراء، فجزى الله الأمير نايفاً وزير الداخلية خيراً، وأكرمنا غاية الإكرام فجزاهم الله خيراً. وختم الشيخ الوادعى بكلمة قال فيها: "بقى إننا قلنا الحامل لنا على هذه الكلمة، هو أننا نرى أنه واجب علينا أن نقول الحق، هذا هو الواجب، وإلاَّ فوالله لم تدفعنى مادة، ولم يدفعنى أحد إلى ذلك. وأيضاً أنا بحمد الله لست ممن يغتر بالأقوال، ولكن أنا أتأثر من الأفعال، فرأيت أفعالاً حميدة مجيدة جزاهم الله خيراً، هذا الذى أتاثر به والله المستعان." ويحكى لى الشيخ فؤاد العمرى وقد حضر ولازم الوادعى طيلة مكوثه فى المملكة أثناء العلاج، بأن الأمير نايف قال للشيخ الوادعى: "والدنا الملك عبدالعزيز أوصانا بالعلماء، ونحن لم نفعل هذا معك إلا لوجه الله، وأما آراؤك فأنت ستسأل عنها أمام الله". وتأثر الوادعى أيّما تأثّر بهذه المعاملة الكريمة، وهو ما جعله يكتب ما كتب إبراء لذمته. أما (دار الحديث) السلفية فى (دماج) اليمنية محاصرة، رغم إعلان الهدنة، ووسائل الإعلام العربية والعالمية تغفل عن مذابح قد يرتكبها الحوثيون ضدهم وبها آلاف النساء والأطفال والشيوخ. إن وقع(الهولوكست) الحوثى المتوقع لأخواتنا فى (دماج) سنندم، ولات ساعة مندم على خذلاننا لهم.