حادثة مؤثرة رواها صلى الله عليه وسلم: "أن نملةً قرصتْ نبياً من الأنبياء، فأمرَ بقريةٍ النمل فأُحْرِقَتْ، فأوحى الله إليه: أفى أنْ قرصَتْكَ نملةٌ أهلكتَ أمةً من الأمم تسبحُ". [مسلم] العتاب الإلهى هنا جاء؛ ليؤكد أنه ليس هناك أحد فوق المراجعة والنقد ولو كان نبياً، وألا نأخذ الكل بجريرة الفرد. ولكننا ومن خلال الهموم اليومية لتداعيات الحالة الثورية المضربة التى تمر بها ثورتنا وبلاد الربيع العربى وبعد شهور من تفجر الثورات؛ فإن الرسالة العامة من نكبة النمل؛ أنها تذكرنا بظاهرة اجتماعية وهى (الظاهرة التعميمية). لا تظلموا الفيل: وهذه الظاهرة نقصد بها أننا نمتلك تلك النظرة التعميمية فنطلق الأحكام العامة، بناءً على وقائع فردية؛ أو جزئية؛ اعتماداً على تفسير مسبق للأقوال والأفعال!. ثم نفتقد للحيادية فى التدقيق وفى التوثيق؛ فنرسم صورة خاطئة عن الأشخاص والأقوال والأفعال. تماماً مثل مجموعة من العميان تحسس كلا منهم الفيل؛ وعندما وصفوه تباينت كلماتهم بناء على الجزء الذى لمسوه من الفيل المظلوم. وهكذا فإن رؤيتنا للحالة السياسية والثورية الحالية، نكاد نظلمها كما حدث للنمل أو كما ظلموا الفيل!. مظاهر تعميمية ظالمة: أما أبرز مظاهر هذا التعميم الظالم فى شارعنا السياسى والثورى؛ حتى داخل المؤسسات: 1- أن البعض إذا سمع عن شخص ما أى مقولة أو فعل ما، فإنه يتكون لديه قناعة فكرية معينة؛ تجعله يتخذ موقفاً ثابتاً حيال كل أقواله وأفعاله الأخرى. 2- أن البعض إذا قرأ لكاتب فكرة معينة؛ ولا تروق أو لا تنسجم مع قناعاته الفكرية؛ فإنه يتخذ موقفاً ثابتاً تجاه بقية ما كتب!. 3- أن البعض إذا سمع عن قول أو هفوة لفرد ما فى جماعة ما؛ فإنه سرعان ما يوصم بقية أفرادها بذلك القول. ومن صور الظلم؛ أن كل الليبراليين منحلون، وكل العلمانيين كفار، وكل الإخوان متساهلون ومتعصبون لبعضهم وكل السلفيين متشددون، وكل الشباب متهورون، و...!. الأسباب والعلاج: الخطوة الأولى: الدقة فى توثيق الخبر أو الواقعة: فيجب أن يستند على قاعدة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُواَ". [الحجرات 6] الثانية: الحيادية فى تلقى الخبر: ولنتدبر يوم بنى المصطلق، عندما كان الغلام زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ حاضراً فحدَّثَ صلى الله عليه وسلم بذلك وعنده نفر من المهاجرين والأنصار، فتغير وجهه، وكذب زيد وصدق ابن سلول وقال: يا غلام، لعلك غضبت عليه؟!. قال: لا والله لقد سمعت منه. قال: لعله أخطأ سمعك!. قال: لا يا نبى الله. قال: فلعله شُبِّهَ عليك!. قال: لا والله لقد سمعت منه يا رسول الله. إنها احتمالات ثلاثة: أن يكون ناقل الكلام مغرضاً، أو غير دقيق فى نقله، أو فهمه خاطئاً للكلام. الثالثة: الكياسة فى التعامل مع الخبر: فالكثير يتعامل مع الأخبار تعاملاً غير مدروس فينشره فى مجالسه دون حذر كالببغاء؛ كالإذاعة المتحركة: "إِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ". [النساء 83] وننسى ميزان الإمام على رضى الله عنه: ليس كل ما يُسمع يُقال، وليس كل ما يُقال حضر وقته، وليس كل ما حضر وقته، حضر رجاله. الرابعة: الدقة فى الأحكام: فننشر الأمر النادر، وليس الشائع؛ عكس توجيهات قاعدة أن: (العبرة للغالب الشائع لا للنادر). وأن نتدبر تحذيره سبحانه من عدم الحيادية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى". [المائدة 8] د. حمدى شعيب خبير تربوى وعلاقات أسرية [email protected]