المفاجآت في نتائج المرحلة الأولى للانتخابات ليست كثيرة ، فلا تقدم الحرية والعدالة ، جناح الإخوان المسلمين كان مفاجئا ، ولا البروز اللافت لحزب النور أبرز أحزاب التيار السلفي كان مفاجئا أيضا ، ولكن المفاجأة كانت في تحقيق بعض الرموز السياسية من تيارات ليبرالية ويسارية للفوز ، وأحيانا الفوز المذهل بفارق الأصوات كما حدث في دائرة مصر الجديدة ، التي فاز فيها الدكتور عمرو حمزاوي بفارق وصل إلى أكثر من خمسة وسبعين ألف صوت عن مرشح الإخوان المسلمين . بكل تأكيد ، فإن فوز الناشط الليبرالي عمرو حمزاوي يمثل شهادة دامغة على شفافية تلك الانتخابات وجديتها ونزاهتها ، وأن محاولات الإساءة لها وتشويهها من قبل "المهمشين" والفاشلين وإعلام بيزنس الفساد محض أكاذيب ، أو كما يقول العامة "قصر ديل" ، وأن المعيار في الفوز هو قدرة المرشح على إقناع الناخبين بجديته وقدرته على إنجاز المصالح الوطنية . أيضا تشهد تلك النتائج على أن المواطن المصري لديه قدرة على الفرز وعلى الاختيار العقلاني ، بعيدا عن العواطف ، الدينية أو غير الدينية ، حتى وإن كان الاختيار فيه مجازفة أو رغبة في الاكتشاف ، وحتى إن كان الاختيار خطأ ، فالممارسة السياسية في النهاية اجتهاد ، وليست مقدسة ، وتحتمل الخطأ والصواب ، والمهم أن يكون الاختيار بإرادة حرة ، ورؤية وتقدير للموقف ، وعلى الرغم مما انتشر من تدعيم بعض رجال الدين الأقباط لعمرو في الانتخابات ، إلا أن هذا دعم هامشي للغاية ، بدليل فشل ناخبين محسوبين على الكنيسة في المناطق الأكثر كثافة للحضور القبطي ، ودائرة مصر الجديدة تتسع لتشمل مساحات ضخمة جغرافيا وسكانيا والغالبية الساحقة فيها من مواطنين مسلمين ، وكان الإخوان يفوزون فيها غالبا حتى مع عنف الحزب الوطني وتزويره . عمرو حمزاوي صاحب رؤية سياسية مخالفة للتيار الإسلامي وكان للإسلاميين صدامات سياسية عنيفة معه ، ولكن عمرو لم يكن عدوانيا في خلافه مع الإسلاميين أو مع غيرهم ، وكان حريصا على حفظ المسافة الكافية بين الخلاف السياسي والتجريح الديني ، ولو أخطأ عمرو في هذه النقطة تحديدا لما حاز على ثقة الناخبين ولا قبولهم ، مهما كان حضوره الإعلامي الواسع والمتفشي في جميع الفضائيات تقريبا ، وهذه رسالة مهمة للنشطاء السياسيين ، ليست مشكلتك مع التيار الإسلامي صاحب الغالبية الشعبية في خلاف سياسي ، فالناس يمكن أن تتسامح في الخلاف السياسي ، ولكن المشكلة في التجريح والاستفزاز لمعتقدات الناس وهويتهم وحرماتهم ومقدساتهم ، نجح حمزاوي لأنه كان أكثر تسامحا وعقلانية في التعامل مع حساسيات المجتمع الدينية والروحية ، وأقل عنفا ورعونة في الاشتباك مع التيار الإسلامي . أيضا نجاح عمرو حمزاوي يعطي رسالة إلى النخبة السياسية المنعزلة عن واقعها بأن "التصالح" السياسي والمعنوي ممكن مع الشعب ، شريطة أن تجتهد في التواصل معه ، وأن تقدم خطابا عاقلا ومتوازنا وقابلا للفهم والاختلاف ، وأن الحديث عن "بعبع" الإسلاميين هو حيلة العاجز عن التواصل مع الناس والمجتمع ، وأعتقد أن نجاح حمزاوي يبعث برسالة مهمة جدا للنخبة السياسية تدعوها للاقتراب من الوسطية والاعتدال ، والنزول من الأبراج العالية والكبر والغطرسة والوصاية "الفضائية" على الشعب ، عندها ستكون لهم فرصة حقيقية للفوز وتصدر المشهد السياسي "الشرعي" . [email protected]