ثمانية أيام من التظاهر والاعتصام تخللها استشهاد 39 شابًا في عمر الفتوة، قد أتت ببعض الثمرات الطيبة التي لم تستطع الأحزاب السياسية أن تأتي بها في 9 أشهر كاملة؛ لقد أُجبر العسكر على تعيين ميقات انتخاب رئيس الجمهورية (شفاهة)، ثم أزاحوا حكومة شرف ليأتوا لنا بالدكتور الجنزوري الذي بات محل جدل ولغط، كل هذا والانتخابات حل أوانها! أي بلد عجيبة هذه؟ أي بلد تتم فيها هذه الأحداث الجسام من اعتصام وتظاهر وثورة تتزامن معها انتخابات ومشوارت لتشكيل حكومة؟ ثم يزداد المشهد تعقيدًا ليرفض بعضٌ ممن في الميدان الجنزوري ليتم إدخال البرادعي في هذه المعادلة المعقدة؛ بزعمهم أن الميدان متوحد عليه ليترأس حكومة الإنقاذ الوطني، ليُختم هذا المشهد بمقابلة المجلس العسكري لعمرو موسى (الذي لم يذهب للميدان طوال هذا الأسبوع) والبرادعي الذي ذهب لدقائق إلى مليونية حق الشهيد ليخرج منها على عجل، وجموع من الشعب تنظر لهذه الأحداث في توتر وحيرة، ومنهم من لا يهمه الأمر أصلا! هذا المشهد المركب أشبهه بفيلم خيالي دخل البطل في أوله متحديًا خصومه في اعتقاد منا أن يخرج منتصرًا ظافرًا في نهاية المشهد لنفاجأ به عجلاتي في حارة هامشية في الدرب الأحمر؛ بل في أثناء كتابتي لهذا المقال فوجئت بشباب تويتر يتناقلون كلام اللواء ممدوح شاهين على إحدى القنوات الفضائية، وقد لفت انتباهي كلامه عن أن مجلس الشعب القادم لا يحق له دستوريا وقانونيًا سحب الثقة من الحكومة أو انتخاب أخرى جديدة؛ ليعقد الرجل عليَّ مشاهد هذا الفيلم الخيالي، ويزيد مشهد العجلاتي السابق تأزمًا ليحوله إلى بائع طماطم في سوق العبور! هذه هي مصر الآن: الشعب يريد مطلبًا محددًا فيفاجأ هذا الشعب بمطالب أخرى تتحقق أو لا تتحقق؛ الشعب يريد رجوع العسكر لثكناته في أسرع وقت هكذا بوضوح ودون لف ولا دوران فنفاجأ بالكلام عن حكومة الجنزوري الذي يرشح مجدي الجلاد أو عادل حمودة لمنصب وزير الإعلام (!!!) الشعب يريد انتخابات نزيهة لا عبث فيها فنفاجأ أنها ستتم على يومين وأن الصناديق ستبيت في أحضان الأمن والشمع الأحمر والمناديب المرهقين، الشعب يريد تطهير وزارة الداخلية فنفاجأ بحبس الضابط محمود الشناوي فاقئ العيون مخافة أن تطاله يد الثوار وترشيح رجال حبيب العادلي خلفًا للعيسوي. ثمة أمر نبه عليه سيادة اللواء مختار الملا حينما قال إن الشعب ليس كله في التحرير لكننا نحترم من في الميدان؛ ثم تم تأكيد الشق الأول عمليًا في مظاهرات العباسية الخيالية التي أوصلها بعض الظرفاء إلى 700 ألف متظاهر؛ وحينما أُخبر عبد الرحمن يوسف الكاتب المحترم ومراسل قناة cbc بهذا وهو في التحرير قال إذن من في ميدان التحرير 37 مليون ليلتقط بذكائه حبل الرمال الذي صنعه بعض الخياليين الذين يُراد الاستفسار عن قدراتهم العقلية في الاختبارات النفسية وكشف الهيئة في الكليات العسكرية المحترمة وأطباء علم النفس المفلقين، وقد نفاجأ بمليونيات جديدة في روكسي ومصطفى محمود تحمل ملايين من البشر!