بدأت يوم أمس الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية فى عدد من المحافظات.. وهى الإنجاز الأكبر للثورة بعد سلسلة الإنجازات الأخرى التى سبقتها وفى مقدمتها إيداع كل رموز النظام السابق من أول مبارك وولديه ووزرائه وكبار ضباط أجهزة الأمن السجون وإحالتهم إلى المحاكم. ليس بوسع أحد أن ينكر بأن ثمة تحولات كبيرة وجوهرية تحققت، رغم الأخطاء فى إدارة الفترة الانتقالية: فمن كان يصدق أن مبارك.. هذا الطاغية المتغطرس والعنيد والمتترس بأسوأ جهاز أمنى وحشى وقمعى فى العالم، تعرضه الفضائيات العربية والدولية وهو فى بدلة السجن داخل زنزانة المحكمة؟!. هذه المقدمة.. ضرورية حتى لا ننسى حجم الإنجاز من جهة، ولا يتسلل إلى النفوس القلقة على المستقبل الإحباط واليأس مما يجرى الآن من تسخين الشارع وتوجيه غضبه النبيل نحو أهداف أخرى لا علاقة لها بأحلام وأشواق المصريين وحلمهم بدولة ديمقراطية مسئولة فى المجتمع الدولى. ولكن.. تظل "الانتخابات" هى الإنجاز الأكبر.. والأهم من محاكمة مبارك وعائلته وأركان حكمه.. لأنها "شهادة الضمان" الوحيدة لنقل البلاد من مرحلة "الثورة" إلى مرحلة "الدولة".. ومن "الديكتاتورية" إلى "الديمقراطية".. ولعل محاولات العبث فى انفعالات الشارع والدفع به من الاعتدال إلى التطرف والعصبية، يأتى فى سياق قلق جماعات المصالح التى تعتبر امتدادًا للقوى المالية الطفيلية التى أثرت ثراءً فاحشًا فى عهد مبارك، وتخشى من "فتح" دفاترها وتُسأل : أنى لك هذا؟!..حال اكتمل الربيع المصرى، بانتخابات نزيه تأتى بحكومة تملك الشرعية وتحاسب الجميع باسم الشعب. يوم أمس كان يومًا أسود على فلول مبارك.. ممن يملكون سلطات مالية أو إعلامية تأسست على المال الحرام ونهب البنوك وأراضى الدولة.. وظلت تعمل ضد الثورة فى قعدات السواريه الليلية "التوك شو".. وهى فى حماية فضائياتها الخاصة ولغتها الإعلامية المتطرفة والعدوانية والتى أصرت على إرهاب صانع القرار بعد الثورة لكسر إرادته وتخويفه من أى قرار قد يتخذه لفتح ملفات ملاكها أمام سلطات التحقيق القضائية. يوم أمس انتصرت قوى الثورة على "الفلول".. الانتخابات ستفتح كل الأبواب المغلقة أمام أشواق المصريين.. وستوضع أول لبنة لتأسيس أول مؤسسات ديمقراطية حقيقية فى مصر.. ويخطئ من يعتقد بأن البرلمان المنتخب سينهى "شرعية الشارع" وينقلها إلى شرعية جديدة منظمة عقدت عبر الاختيار الديمقراطى الحر.. هذا اعتقاد تعوزه الدقة.. بل ربما يستهدف قطع الطريق على أية احتجاجات لاحقا، وبعد أن تستوفى الدولة بناء مؤسساتها الدستورية. البرلمان المنتخب هو فى واقع الحال، ثمرة حراك الشارع.. ولولا الأخير ماكان للأول أن يولد وتُستخرج له شهادة ميلاد "شرعية" .. غير "لقيطة" كما كانت كل المجالس النيابية التى تعاقبت على البرلمان المصرى إلى ما قبل الثورة. فالشعب والبرلمان المنتخب "يد واحدة".. وليسا "شرعيتين" متناقضتين" .. ومحاولة وضعهما على هذا النحو ك"عدوين" لدودين.. هى مؤامرة على البرلمان والانتخابات والديمقراطية وعلى الشارع أيضا. [email protected]