واقعة احتجاز الإعلامي المصري أحمد منصور ، مقدم البرامج في قناة الجزيرة ، في مطار برلين كانت حدثا مفاجئا وغريبا ، بقدر ما هو مثير ، وأحدث ضجة كبيرة من ليلة أمس وما زالت مستمرة ، حيث يخضع في تلك الساعة التي أكتب فيها هذه الأسطر للتحقيق من قبل المدعي العام الألماني ، وكالعادة جرت الحرب حول قضية أحمد منصور بين جبهتين لا ثالث لهما ، جبهة أنصار السيسي وجبهة أنصار مرسي ، داخل مصر وخارجها ، ما بين مطالب بتسليمه إلى مصر ليلقى جزاءه ، وبين من يندد بتوقيفه ويحذر الألمان من خطورة تسليمه ، ولم تخل متابعات الأزمة من طرائف عندما قارن نشطاء صفحات التواصل الاجتماعي بين "الرفاهية" التي ينعم بها "المعتقل" منصور في ألمانيا ، مقارنة بما يحدث لمثله في مصر ، وتمحورت "القفشات" حول صورة منصور وهو يتحدث عبر هاتفه مع أصدقاء عبر العالم ومع جهات إعلامية ويهاجم السلوك الألماني ويندد بتوقيفه ، ويفترض هؤلاء لو أن منصور تم توقيفه في القاهرة وليس في برلين !! ، أيضا المفارقة بين احتفال أنصار السيسي بموقف ألمانيا ضد "الإخواني" منصور ، وبين صريخ نفس الأنصار قبل أسبوعين من "أخونة ألمانيا" وانحيازها للجماعة وأن الإعلام الألماني تم شراؤه بأموال أنصار مرسي ، وذلك أثناء زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لألمانيا وما صاحبها من جدل وصخب وعراك إعلامي وشعبي في ألمانيا . النشوة والتشفي لدى أنصار السيسي بتوقيف منصور ورغبتهم العارمة في تسليمه للقاهرة تعطي انطباعا سلبيا بكل تأكيد عن حال "العدالة" في مصر ، لأنها تظهر عملية تسليمه إلى القاهرة على أنها خطوة لتأديبه والتنكيل به وليس لمثوله أمام "عدالة" ، كما أن تصريحات بعض المسؤولين ، سواء وزير الخارجية المصري أو مصادر وزارة الداخلية بدت مهينة لصورة مصر في الخارج فعلا ، لأن هذا "الهوس" بتسليم صحفي معارض ، ومن أعلى مسؤولي الدولة لا يليق أبدا ، ويظهر معاني الاهتزاز والضعف أكثر مما يظهر معاني القوة والثقة في جهاز الدولة . حتى الآن لا تعرف على وجه اليقين طبيعة الاتهامات الموجهة لمنصور وما إذا كانت هي سبب توقيفه ، لأن الأمور متداخلة ، وملف الداخلية الذي تم إعداده لإرساله للجانب الألماني أشار إلى إدانته بقضية خطف محامي وتعذيبه ، وهناك أخبار أخرى عن اتهامه باتهامات كيدية متنوعة مثل السرقة والخطف والاغتصاب ، غير أن هناك توجهات أخرى في تحليل الموقف تذهب إلى أن توقيف أحمد منصور ليس بناءا على طلب مصري في حقيقة الأمر وإنما على طلب أمريكي غير معلن ، وأن حواراته الإعلامية مع قيادات لتنظيم القاعدة ، مثل "أبو محمد الجولاني" زعيم جبهة النصرة في سوريا والذي تم بثه مؤخرا على حلقتين في قناة الجزيرة ، ربما يكون جوهريا في عملية توقيفه باعتباره "كنز معلومات" ، وكل ذلك سيتبدى تدريجيا من تطورات الموقف على أرض الواقع وطبيعة الأسئلة الموجهة له . أغلب الظن ، حسب نشطاء حقوقيين في الخارج ، أن منصور سيطلق سراحه ، وأن فكرة تسليمه للقاهرة غير واردة على الإطلاق ، وهذا ما أرجحه أيضا ، خاصة وأن هناك ضجة عالمية حول القضاء المصري وهجوما واسعا عليه بسبب أحكام الإعدام بالجملة التي تصدر مؤخرا وقد أدانتها المستشارة الألمانية نفسها ، وهو أمر لا يساعد أي جهة قضائية أوربية على الاستجابة لتسليم شخص مطارد من القاهرة ، ناهيك عن أن يكون إعلاميا مرموقا ومعارضا سياسيا ، غير أن واقعة توقيف إعلامي قناة الجزيرة الشهير من شأنها أن تسبب إرباكا وقلقا لكثير من أنصار مرسي الذين يعيشون في الخارج ويتنقلون بين العواصمالغربية المختلفة ، لأنه لن يكون هناك ما يمنع من تكرار الموقف مع أحدهم ، كما سيظل هاجس خضوع عمليات ملاحقتهم لمساومات ، اقتصادية وأمنية ، مع عواصم مختلفة ، مقلقا جدا للجميع .