عودة القمع الأمنِي لميدان التحرير والاعتداء على المعتصمين يؤكِّد أنَّ الثورة المصرية لم تكتمل بعد، وأنَّ رجال العادلِي وفلول النظام السابق مازالوا يُحْكِمون قبضتهم على البلاد والعباد.. الأمر الذي يُحتّم على جميع القوى السياسية والإسلامية ضرورة الوحدة والنزول إلى الشوارع والميادين؛ لانتزاع الحرية التي لا تنالها الشعوب بسهولة ويسر بل تُمْنَح بالبَذْل والجهاد والعطاء في سبيل هذا الوطن.. المشهد السياسي اليوم يتطلَّب ضرورة تنحِّي المجلس العسكري عن السلطة وتسليم مقاليد البلاد لمجلسٍ رئاسي مؤقّت تجري في ظلّه انتخابات حرة نزيهة.. وغير ذلك يعدّ استهلاكًا للوقت ومضيعةً لثورة 25 يناير. ما جرَى خلال الساعات الأخيرة يؤكِّد بِمَا لا يدع مجالاً للشك أنَّ المجلس العسكري لا يتناغم مع الثورة ولا يتفق على كثيرٍ من أمرها رغم تغنِّيه أنه الذي حمى الثورة ورعاها.. لكنَّ الواقع يؤكِّد أنَّ العسكر يعرقلون مسيرة الثورة ويحاولون استنساخ نظام مبارك المستبدّ.. أكبر دليل على ذلك هو استمرار العمل بقانون الطوارئ؛ الذِّراع الدكتاتوري للاستبداد والظلم وقمع العباد.. ثانِي تلك الجرائم في حقّ الثورة عدم إسقاط الأحكام العسكرية الجائرة التي صدرت في حقّ قادة العمل الإسلامي في ظلّ حكم الرئيس المخلوع: 13 قياديًا إسلاميًّا محكوم عليهم بالإعدام ظلمًا وعدوانًا ويقبعون في سجن العقرب على رأسهم الشيخ محمد شوقي الإسلامبولي شقيق خالد الإسلامبولي قاتل السادات.. والأغرب أن مصلحة السجون قادَت هجمة بربرية على سجن العقرب ذكَّرت السجناء بعهد مبارك الغابر، حيث تَمّ تجريدهم من المتعلقات الشخصية ووضعهم في زنازين انفرادية دون مبرِّر. مظاهر القمع لم تتوقف في ظلّ حكم العسكر، ولا نكاد نلتقط الأنفاس من مشاكل فلول النظام والانفلات الأمنى الغريب في الشارع المصري، وقد أصبحت سرقة السيارات والبلطجة أبرز مظاهر هذا الانفلات.. ورغم هذا الضعف الشديد في حكومة عصام شرف التي يحلو لها التلفُّح بعباءة العجز والشلل، كنا نأمل أن يتفرغ الشعب المصري بكافة طوائفه واتجاهاته الفكرية للانتخابات البرلمانية والتي ستكون البداية الحقيقة لبناء مصر الحديثة.. إلا أنَّ الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء يُصِرّ على فرض وثيقته على الشعب المصري.. رغم علمه أنَّ هذا الشعب أبِيٌّ يرفض بشدَّة التلاعب بمقدراته واختياراته، ولن يسمح بالوصاية عليه في صياغة ووضع الدستور إلا من خلال البرلمان القادم.. لذلكَ شارَك بقوة في جمعة 18 نوفمبر، وكان المظهر في ميدان التحرير حضاريًّا بكل المقياس من كافة القوى الإسلامية المشاركة. ورغم إعلان القوى الإسلامية انصرافها بعد تلك الجمعة من ميدان التحرير لانشغالها بانتخابات البرلمان وتأجيل اعتصامها ليوم 9 ديسمبر، ولم يتبقَّ في الميدان إلا مصابو الثورة وعدد قليل من الشباب.. رأينا الأعداد الغفيرة من قوات الأمن تَنْقَضّ عليهم دون رحمة وتعتدِّي عليهم بدعوَى إخلاء الميدان مما يُعَدّ انتهاكًا صارخًا وعدوانًا على الحريات، فضلاً أنَّ مصابِي الثورة وأُسَر الشهداء من أهم أسباب نجاح الثورة.