كان اليأس قد ملأ النفس، والإنشغال أصبح كاملاً بالأسرة والأطفال والعمل، بالإضافة إلي ضغوط ضباط أمن الدولة ونصائحهم السخيفة في كل زيارة بأن نلتفت إلي أعمالنا ونترك العمل الدعوي والخدمي (وسنساعدكم وندعمكم ونسيبكم في حالكم!!)، فوجئت في أوائل سنة 2010 في بريدي الالكتروني برسالة تحمل الكثير من الأمل، لقد كان بيان الدكتور البرادعي "معاً سنغير" والدعوة إلي التغيير الشامل مع الجمعية الوطنية للتغيير (إن هدف الجمعية الأول ليس مقصوراً علي تغيير قواعد الترشح للرئاسة أو من سيترشح لها وإنما هو السعي إلي التغيير الشامل عن طريق حشد التأييد الشعبي لهذا الغرض بأسلوب سلمي). نعم هذا هو المطلوب بلا شك، التغيير الكامل وليس الترقيع أو الإصلاح الجزئي. يمكنك متابعة نص البيان علي الرابط التالي: http://www.dostor.org/politics/egypt/10/march/1/8093 وفيديو الدكتور البرادعي نفسه: http://www.youtube.com/watch?v=w0wIB4tl8tU وقعت علي البيان في نسخته الاكترونية وشارك الإخوان المسلمون في الحملة ووصلت لأكثر من مليون توقيع في وقت قصير، وشعرت ساعتها أن التغيير قريب بإذن الله، عادت لي روحي الثائرة، وعدت إلي النشاط الذي كاد يموت في زحمة الحياة، كان الدكتور البرادعي بالنسبة لي هو صاحب فكرة التغيير الكامل، هو صاحب فكرة إجتثاث النظام من جذوره، هو الخطر الحقيقي علي النظام، لذلك سعي النظام بكل وسائله واتباعه وحملة مباخره ومعارضته الكارتونية إلي الهجوم علي الدكتور البرادعي وقامت أكبر حملة تشويه للرجل لايماثلها أو يفوقها إلا الحملة الشهيرة ضد الإخوان المسلمين (المحظورة!) بعد انتخابات 2005. دعوت الكثير من أصدقائي من المنتمين إلي التيار الإسلامي غير الإخواني إلي التوقيع علي البيان، بعضهم وافق وبعضهم رفض لمجرد أن الطرح تم بواسطة الدكتور البرادعي (العميل الأميركي، العلماني، ....!)، كنت أقول لهم أننا بحاجة للتغير وأنني لا أقبل أن أسمع حكم نظام كنظام مبارك علي أي شخص أو جماعة! أقول أيضاً لو خيرنا بين الدكتور البرادعي ودعوته الواضحة للتغيير والنظام الحالي، من سنختار؟ هذا عن أصدقائي من التيار الإسلامي، فما بالك بالمواطنين العاديين مشاهدي إعلام أنس الفقي؟! بدأت الدعوات لمظاهرات 25 يناير ثم 28 يناير، وشاركت بطبيعة الحال رغم اعتراض معظم أصدقائي من المنتمين إلي التيار الإسلامي غير الإخواني (وأنا أتفهم وجهه نظرهم، فلم يقل لي أحد منهم أن مبارك زعيم صالح! أو ولي الأمر كما يشيع الإعلام! ولكن قالوا لي أنكم أذا اعتقلتم هذه المرة لن تخرجوا رغم رغبتهم جميعاً في خلع مبارك وكراهيتهم المطلقة له)، في الميدان كانت أجمل الأيام، وعاد الدكتور البرادعي وشارك في جمعة الغضب 28 يناير وفي أيام الثورة من بعدها، كان أغلب النشطاء السياسيين في الميدان من المؤيدين له، وكشهادة حق لم يحاول الرجل أن يظهر بمظهر صانع الثورة وبطلها الأوحد (وكان سهلاً أن يقوم بذلك بمساعدة وسائل إعلام وشباب الثوار)، لم يفعل هذا وتحدث بكل تواضع يحسب له ولاشك، حتي هذه اللحظة لم يكن في ذهني أي رئيس يصلح لمصر بعد خلع مبارك إلا الدكتور البرادعي، الشخص الذي قاد المعارضة الحقيقية، أول من طرح فكرة التغيير ودعا لها، الرئيس التوافقي لمرحلة تحتاج رئيس توافقي، القائد الحقيقي لأغلب المجموعات الشبابية التي دعت للثورة ولا شك! في الميدان، في أيام الثورة، لاحظت أن عدد كبير من الثوار القادمون من المحافظات وأيضاً ثوار المناطق الشعبية خاصة (أبطال الثورة الحقيقيون) لايرتاحون للدكتور البرادعي ومعلوماتهم عنه أغلبها أتي من إعلام النظام وأبواقه! ولأنني تعودت ألا أتعلق بالأشخاص وألا أصنع لهم "هالة مقدسة" أيجاباً أو سلباً، فم أكن أهتم بالأمر كثيراً وتوقعت أن الدكتور البرادعي بعد الثورة سيلتحم بالشارع وسيعرض برنامجه وسيسعي لتوصيل نفسه إلي بسطاء الشعب، وساعتها سيكون الحكم للشعب إيجاباً أو سلباً. رحل مبارك وانتهي نظامه، وياله من يوم ويالها من سعادة، وتابعت حملة الدكتور البرادعي بعد سقوط مبارك وتوقعت أن الرجل سيكسب أراضي جديدة وسيكون له حضوره لدي الشعب المصري، أيضاً توقعت أن الرجل سيسعي ليكون رئيساً لكل المصريين وليس للنشطاء والنخبة (مع تحفظي علي المصطلح!)، ولكن فوجئت أنه شيئاً فشيئاً قد صار أكثر التصاقاً بالمجموعة الداعمة له في نطاقها الضيق (مع الاحترام للجميع). كنت أدخل إلي أي صفحة داعمة للدكتور وأنا عضو في أغلبها، فأجدها تتكون من طيف واحد فقط لاغير، وبكل غرابة تهاجم باقي الأطياف، بدلاً من ضم عناصر جديدة، تم صنع عداوات جديدة، بدلاً من حوار مفتوح مع التيار الإسلامي (في شقه السلفي بالذات) تجد هناك حرب ضروس وهجوم شرس (لا أنكر أنه كان هناك هجوم من التيار الإسلامي علي الدكتور البرادعي ولكن هذه حملة انتخابية رئاسية ومن المفترض أن تسع الجميع ولايجب أن ترد بالمثل) وسخرية لاتستطيع معها التأكد أذا ماكان هذا هو رأي الدكتور أم أنه رأي الحملة الداعمة له، وإذا كان هذا هو رأي الحملة الداعمة فيجب أن يكون علي صفحاتهم الخاصة وليس في صفحة دعم الدكتور، أيضاً تجد الدكتور يزور "الصوفية" ويصلي معهم ويضمهم لصفه، وفي نفس الوقت يهمل تيار كالتيار السلفي! أصبح بعض من يدعموه عبء عليه بدلاً من أن يكونوا داعمين له. أتحدث مع بعض مسئولي الحملات، أين الدكتور؟ لماذا لايدافع عن نفسه ضد التهم الموجهة له، لماذا لا يلتحم بالشعب أكثر؟ وأقول أنه لكي يفعل ذلك لابد من أين يكون أعضاء حملته من كل فئات الشعب واتجاهاته، لماذا لايتحاور مع الإتجاهات المخالفة؟ فيأتيني الرد "الدكتور يعمل لصالح الوطن والأهداف العليا ولايداهن العامة وينظر إلي المصلحة العليا"، عظيم ورائع ولكن هذا يعني أنه ينوي أن يمارس دور "إصلاحي نخبوي" ودور "المرجعية" وهو دور رائع ومن حقه كغيره أن يمارسه ولكنه يختلف عن دور "مرشح الرئاسة"، إذا فليعلق حملته الرئاسية ويعلنها صريحة أنه لايهتم بالرئاسة والتي لها آليات معروفة وسيعمل أكثر في دور المصلح والمرشد والمستكمل لأهداف الثورة! ولكل منهما أداور تختلف عن بعضها البعض. يا دكتور البرادعي، أين أنت من كل هذا؟ كما أشرت سابقاً أنا لا أحب عمل "هالة مقدسة" للأشخاص، ولا أسمح لنفسي أن أكون "درويشاً" لشخص أو حزب أو جماعة! أعلم أنك شخص تتعامل باحترام وتواضع وأنك أردت التغيير بالفعل ودافعت عنه ولم تداهن فيه، وأراد الله أن يتحقق، وأعلم أنك لم تركب الثورة وكنت قادراً علي ذلك، وأنك لم تدعي بطولة الثورة في يوم ما! ولكني أعلم أيضاً أن حملتك الانتخابية في أغلبها انفصلت عن الشارع تماماً واتخذت طريقاً لايصلح لمرشح للرئاسة (مع احترامي للجميع) وأصبحت تعبر عن فصيل واحد فقط، ماهو رأيك في حملتك الإنتخابية؟ هل ستكمل في إنتخابات الرئاسة؟ أم ستكتفي بدور "المصلح النخبوي" وهو دور جيد وهام ولكنه يختلف عن دور رئيس الجمهورية؟ أين أنت من التيار الإسلامي (السلفي خاصة)؟ تحدث إلي الجميع يا دكتور محمد، تحدث إلي الشعب كله بجميع طوائفه حتي من يخالفك، فهناك من يريد أن يسمعك، بعيداً عن الكلمات السريعة في "تويتر" التي لايقرأها إلا "النخبة" أو اللقاءات التلفزيونية والأسئلة المتخصصة! في النهاية أعتذر عن أي لهجة حادة، وأعتذر لبعض الأصدقاء في حملة دعم الدكتور البرادعي (وهم أشخاص أفاضل عملوا فيها بلا أي مقابل)، فأنا لم أقصد –ويعلم الله- أي أهانة أو جرح لأحد، ولم أكتب هذا الكلام لأنني أرغب في أن يتولي الدكتور البرادعي الرئاسة أو لايتولاها، ولكني كتبته مضطراً وناصحاً وأيضاً ليعلم الدكتور البرادعي أن هناك الكثير من المنتسبين إلي التيار الإسلامي هم منصفون! يحفظون لصاحب الفضل فضله، ولكنهم في نفس الوقت لايغالون في الأشخاص ولايصنعون لهم هالة مقدسة، فكلنا بشر وكلنا نخطئ، الشيوخ والأئمة والدعاة والمصلحون وأهل النخبة! والعامة، كلنا يخطئ، وكلنا نحتاج إلي من يرشدنا إلي أخطاءنا ويلفت نظرنا بحب وود إلي مايخفيه عنا –أحياناً- من يحبوننا (ولو بحسن نية)، والكلام والمصارحة أفضل من المداهنة والنفاق والصمت عن الخطأ ثم الطعن في الظهر، ودائماً وأبداً سيبقي الود مابقي العتاب... دمتم بكل خير وود. وسام الشاذلي استشاري نظم، محاضر أكاديمي http://www.facebook.com/wessam.elshazly