يعيش المهاجرون الأفارقة، في جنوب أفريقيا أجواء من الصدمة والرعب، في ظل موجة أعمال العنف المعادية للأجانب التي اجتاحت عدة مدن في البلاد خلال الأسابيع الأخيرة، ما اضطر العديد منهم للفرار من بيوتهم وإغلاق متاجرهم. وفي زيارة لأحد مخيمات الإيواء المؤقتة التي تحتضن مئات المهاجرين الأفارقة، روى الكثير منهم كيف فروا من بيوتهم وأغلقوا متاجرهم بعد استهدافهم من قبل بعض المهاجمين. وأحد هؤلاء الضحايا الأجانب، الذين التقاهم مراسل الأناضول هو بكاري رجب، (47 عاما) من مالاوي وكان يعمل خياطا، وهو أب لسبعة أبناء يعيش في جنوب أفريقيا منذ عامين، توقع أن الأمر سيستغرقه وقتا طويلا لنسيان معاناته مع العنف المناهض للمهاجرين، وكلفه كل ما يملكه. "كنت في المنزل عندما سمعت دقا قويا على باب منزل جارتي"، هكذا استهل رجب حديثه من داخل مخيم مؤقت للاجئين في ضاحية مايفير، بمدينة جوهانسبرغ. وأضاف مستذكرا ما حدث "عندما فتحت بابي للتحقق مما يحدث، رأيت رجالا يحملون الهراوات والمناجل يدنون من بيتي"، لافتا إلى أنه قرر الفرار على الفور للنجاة بحياته. بمرارة تابع قائلا "ما زلت أشعر بصدمة، فقد أخذوا كل أموالي وماكينات الخياطة". والثلاثاء الماضي، نشرت الحكومة قوات من الجيش لمساعدة الشرطة في وقف العنف المناهض للمهاجرين، وألقي القبض على مئات الأشخاص بعد الموجة الأخيرة من العنف. وقبل أكثر من أسبوع، داهمت حشود ممن تصفهم السلطات المحلية ب"الغوغاء" منازل ومتاجر للمهاجرين الأجانب في ديربان (أكبر مدن مقاطعة كوازولو ناتال)، بدعوى أنهم يقومون ب"سرقة فرص العمل، وارتكاب الجرائم ووضع أعباء على الخدمات الاجتماعية". وقاموا بنهب المتاجر والمنازل، وطردوا عددا من المهاجرين من مساكنهم، فيما يجري حاليا استضافة العديد منهم في مخيمات مؤقتة للاجئين. وحتى اليوم، قتل 7 أشخاص في أعمال العنف المستمرة، بينهم إثيوبي رشقت حشود "الغوغاء" متجره بالقنابل الحارقة. "رجب" الذي كان يرتجف بوضوح، وكان يحيط به المهاجرون المشردون الآخرون استأنف حديثه قائلا "أنا أخشى من التعرض للموت إذا واصلت العيش هنا، وأريد العودة إلى موطني". وأشار إلى أنه اعتاد مساعدة زوجته في مالاوي، ودفع الرسوم المدرسية لأبنائه بالأموال التي يربحها من عمله في الخياطة، مضيفا: "سأعثر على عمل آخر للقيام به ملاوي لدعم عائلتي". وكانت حكومة مالاوي قد استأجرت حافلات من جنوب أفريقيا لإعادة رعاياها الفارين من أعمال العنف إلى موطنهم، وصل منهم حتى وقت متأخر من الإثنين الماضي، 390 ناجيا من الهجمات، فيما أشارت تقارير إلى تضرر حوالي 3200 منهم جراء الموجة الأخيرة من الهجمات. من جهتها، قدمت حكومة جنوب أفريقيا اعتذرا إلى البلدان الأفريقية والعالم في أعقاب الهجمات التي شوهت صورة "أمة قوس قزح"، في إشارة إلى البلد التي (تعيش فيها كافة المكونات والأعراق والمعتقدات بوئام ومساواة). من جانبه، قال آدم مصطفى، (21 عاما)، وهو مواطن مالاوى آخر، إنه كان يعمل في مخزن للمنتجات الصينية في ديربان قبل اندلاع العنف. وبعينين مغرورقتين بالدموع، أضاف "مصطفى" لمراسل الأناضول "أخذوا مني 3 هواتف جوال، و2500 راند (حوالي 220 دولار أمريكيا)، تركتها في منزلي". وأشار "مصطفى" إلى أنه نجا من الهجمات المعادية للمهاجرين عن طريق الاختباء في الأدغال القريبة حتى غادر المهاجمون المنطقة. وتابع: "اعتقدت أنهم سيعثرون علينا ويمزقوننا إربا بالمناجل والهراوات، ولكن الله نجانا". على الرغم من أنه كان يحقق أرباحا جيدة، ويرسل الكثير من المال لمساعدة والديه وأشقائه في الوطن، لفت "مصطفى" إلى أنه لن يخاطر بالبقاء فترة أطول في جنوب أفريقيا. ومضى قائلا: "هناك فرص عمل أقل في مالاوي، ولكن على الأقل الأوضاع آمنة هناك، وإذا كان الناس يكرهونك، فمن الأفضل أن ترحل". من جهتها، قالت لنديوى ندلوفو، (26 عاما) وهي أم لثلاثة أطفال من زيمبابوي "جاءت مجموعة من مواطني جنوب أفريقيا إلى منزلنا في الليل وطالبت برؤية وثائق هويتنا". وأضافت مستذكرة تفاصيل معاناتها في حديث لمراسل الأناضول "عندما اكتشفوا أننا لم نكن مواطني البلاد، طردونا". ولكن، خلافا للعديد من المهاجرين الآخرين، قالت "ندلوفو" إنهم لن يعودوا إلى زيمبابوي لأن زوجها كان يعمل في وظيفة جيدة في جنوب أفريقيا. ومضت قائلة: "سننتظر حتى يهدأ الوضع قبل أن نعود إلى الكسندرا"، في إشارة إلى البلدة التي كانوا يعيشون فيها بمدينة جوهانسبرغ. وأجبرت أعمال العنف عشرات المهاجرين من مالاوي وموزمبيق وزيمبابوي ودول أفريقية أخرى على مغادرة البلاد. ويعيش مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة في جنوب أفريقيا، ويشارك الغالبية العظمى منهم في قطاع الأعمال غير الرسمي، والفئة الأخيرة كانت هي الأكثر تضررا من أعمال العنف الأخيرة، في ظل نهب السكان المحليين متاجرهم ومنازلهم كلما اندلعت احتجاجات على تقديم الخدمات. وقبل 7 سنوات، فقد أكثر من 50 مهاجرا أفريقيا أرواحهم، عندما هاجمتهم حشود من الغاضبين في جميع أنحاء البلاد، فيما يقول خبراء إن الدافع وراء تلك الهجمات هو "كراهية الأجانب".