توج منتخبنا الوطني لكرة القدم بطلاً لكأس الأمم الأفريقية للمرة الخامسة في تاريخه بعد تغلبه على المنتخب الإيفواري العنيد بركلات الترجيح بنتيجة 4-2 بعد إنتهاء الوقتين الأصلي والاضافي بتعادل الفريقين سلباً في لقاء حافل بالأحداث الدرامية. بهذه النتيجة حقق "الفراعنة" رقماً قياسياً جديداً في عدد مرات الفوز باللقب الأفريقي برصيد خمس مرات ليتفوقوا بذلك علي الكاميرون وغانا اللذين حققا اللقب أربع مرات من قبل. فرحة ويا لها من فرحة تلك التي شهدها استاد القاهرة الذي إمتلأ عن آخره بالجمهور المصري الوفي الذي شجع فريقه بحماسة منقطعة النظير وأثبت أنه النجم الأول لهذه البطولة واللاعب رقم واحد في صفوف المنتخب الوطني. ولن تنام القاهرة وكل المدن المصرية الليلة بعد هذا الانتصار الرائع. من حقنا أن نفرح وتفرح تلك الجماهير بعد الانتكاسات والأحزان الكروية الكثيرة التي عايشناها في الفترة الأخيرة والتي إنتهت بخروج منتخبنا الوطني مبكراً من سباق التاهل لنهائيات كأس العالم. منتخبنا الوطني أثبت أنه فريق من العيار الثقيل في أفريقيا وأن عدم تأهله لنهائيات كأس العالم لا يرجع الي أسباب فنية بقدر ما يرجع الي أسباب إدارية وتنظيمية. مباراة اليوم أكدت علي المعدن النفيس للإنسان المصري الذي يلمع كثيراً وقت الشدائد. الروح القتالية للاعبين المصريين كانت مرتفعة جداً وهو الأمر الذي عوض بشكل كبير التفوق الفني والبدني للاعبي المنتخب الايفواري المحترفين من أمثال دروجبا، نجم نادي تشلسي الانكليزي وأرونا كونيه، لاعب أيندهوفين الهولندي وتوري، مدافع الأرسنال وكتيبة النجوم المحترفين الآخرين. ويكفي ما شاهدناه من روح قتالية من معظم اللاعبين المصريين وخصوصاً قائد المنتخب الفدائي أحمد حسن الذي اختير كأحسن لاعب في البطولة عن جدارة واستحقاق ليعيد بذلك التأكيد علي تصريحات مارشيلو ليبي مدرب منتخب إيطاليا الذي أكد علي أن أحمد حسن لاعب من طراز فريد ويستحق اللعب في فريق اليوفنتوس أحد أكبر وأشهر الأندية الايطالية. وشهدت المباراة تألق عدد كبير من النجوم يأتي في مقدمتهم نجم النجوم واللاعب الزئبقي المتحرك محمد بركات الذي بذل مجهوداً خرافياً في الدفاع والهجوم وتحرك كثيراً وتكفل بإفساد عدداً كبيراً من الهجمات الخطيرة للمنتخب الايفواري. وفرض محمد عبد الوهاب، المدافع الأيسر للمنتخب إسمه وبقوة نجماً فوق العادة في البطولة بأكملها وبذل مجهوداً كبيراً في الدفاع وشكل جبهة قوية جداً في الهجوم وزود المهاجمين بتمريرات متقنة غاية في الدقة والخطورة. وأعاد عمرو زكي التأكيد علي نجوميته كأحد أبرز المهاجمين المصريين في الآونة الأخيرة ونجح في إرهاق الدفاع الايفواري بتحركاته الرائعة وتميزه في التحرك بدون كرة وإختيار الأماكن الحساسة ومناوشاته المستمرة مع المدافعين وقوته في الالتحام وإستلام الكرة تحت ضغط من المدافعين والتسليم من لمسة واحدة. وأثبت زكي أنه يستحق بالفعل أن يكون أساسياً في المنتخب ويستحق الاحتراف في أكبر الأندية الأوروبية التي تتهافت حالياً علي التعاقد معه مثل نيوكاسيل يونايتد وبولتون واندرارز الانجليزيان ونانت الفرنسي. والشىء الذي أسعدنا وأثلج صدورنا بالفعل هو عودة بعض النجوم للتألق مجدداً خلال هذه المباراة مثل محمد شوقي الذي أدى مباراة رائعة وعبد الظاهر السقا الذي لعب واحدة من أفضل مبارياته في البطولة وإبراهيم سعيد الذي أدى الدور المطلوب منه علي أكمل وجه. وسطر عصام الحضري، السد العالي والحارس الأمين الذي حصل علي لقب أفضل حارس في البطولة، إسمه في سجل أفضل حراس المرمي المصريين علي مر العصور، فقد رأيناه متألقاً طوال مباريات البطولة يؤدي بروح عالية وحماسة منقطعة النظير. وأثبت الحضري بالفعل أنه يمتلك مفتاح الحسم عندما تصدي لركلتي ترجيح غاية في الصعوبة من ديديه دروغبا نجم فريق تشلسي الانكليزي والمرشح لنيل جائزة أفضل لاعب في أفريقيا وبكاري كونيه اللاعب الخطير والمهاري. المباراة إتسمت بالندية والقوة والعصبية، وشهدت بصمة تكتيكية واضحة من مدربنا الوطني حسن شحاتة والفرنسي هنري ميشيل في الجانب الفني. وأجاد شحاتة بشدة في تعامله مع المباراة وكانت تغيراته موفقة جداً واتسمت بالشجاعة والابتكار خصوصاً عندما أصيب نجم الدفاع الأول وائل جمعة ودفع بأحمد فتحي الذي أدى مباراة كبيرة ونجح في تعويض غياب وائل جمعة المدافع الصلب علي حساب أحمد السيد البعيد تماماً عن جو المباريات. وأحسن شحاتة أيضاً عندما سحب عماد متعب وأشرك حسن مصطفي لاستعادة السيطرة علي خط الوسط الذي إمتلكه الفريق الايفواري تماما بعد التغيير الذكي جداً لهنري ميشيل بإشراك اللاعب بونافنتور كالو بدلا من كانجا أكالي في الدقيقة 62 من زمن اللقاء وهو التغيير الذي مكن المنتخب الايفواري من فرض سيطرته التامة علي خط الوسط. وبالفعل آتى هذا التغيير ثماره ونجح المنتخب في استعادة السيطرة الجزئية علي خط الوسط. وكان شحاتة موفقا أيضاً في إدخار التغيير الثالث ليخرج إبراهيم سعيد المصاب ويدخل عبد الحليم علي السريع والمتحرك والذي أعاد النشاط لهجوم المنتخب المصري ولو بصورة جزئية. وكم كنت سعيداً لعدم تأثر منتخبنا الوطني بإصابة إثنين من أهم أعمدة خط الدفاع وهما النجم المتألق وائل جمعة الذي أثبت أنه نجم بكل ما تحمله الكلمة من معنى بفضل ثبات مستواه وأدائه الرجولي وتفانيه وإخلاصه وأدبه وتواضعه. وكانت سعادتي كبيرة بعودة ابراهيم سعيد الي التألق والالتزام مرة أخري بعد فترة طويلة من الغياب عن صفوف المنتخب. البطولة وإن كشفت عن عدد كبير من الايجايبات، إلا أنها أظهرت بعضاً من السلبيات وهي غياب البديل الكفء عن صفوف المنتخب. وأؤكد لكم أن معظم الجماهير كانت تضع يدها علي قلبها منذ إنطلاق البطولة خوفاً من إصابة المدافعين وخصوصا في مراكز الدفاع لعدم تواجد البديل الكفء الذي يستطيع تعويض غياب هؤلاء اللاعبين، فمستوى أحمد السيد لا يؤهله إطلاقاً للمشاركة في هذا المعترك القوي، لذا شارك عبد الظاهر السقا وهو مصاب في مباراة الكونغو الديمقراطية. مكاسب البطولة لن تقتصر علي القوز باللقب وتسجيل رقم قياسي في عدد مرات الفوز بالكأس الغالية حيث أن هذا اللقب سيتيح لنا فرصة المشاركة في بطولة كأس القارات المقبلة، وسيمكننا من إحتلال موقع الريادة علي مستوي القارة السمراء لسنتين مقبلتين علي الأقل لكوننا أكثر الدول الأفريقية إحرازاً للقب. ويجب ألا تتوقف مكاسب البطولة عند هذا الحد، فأنا أرى أنه يتعين علينا إستثمار هذه المكاسب في السماح للاعبينا بالاحتراف الخارجي تماماً كما فعلت تونس بعد فوزها بكأس الأمم الماضية. وأؤكد على أن هذه الخطورة باتت واجباً وطنياً في الفترة الحالية، بل هي الطريقة المثلى للارتقاء بمستوي كرة القدم المصرية التي تأخرت كثيراً عن مواكبة تقدم نظيرتها الأفريقية بفعل سوء الادارة والتنظيم وتحكم بعض الأندية ورفضها لاحتراف لاعبيها بالدوري الأوروبي. وقد رأينا جميعاً كيف تقدمت بعض الدول الأفريقية المغمورة بفضل إحتراف لاعبيها في أوروبا وكيف تغيرت موازين القوى الكروية في القارة الأفريقية وظهرت قوى جديدة ناشئة بفضل سماح هذه الدول للاعبيها بالاحتراف في سن مبكرة. ولكم أن تنظروا مثلاً الي فريق مثل الكونغو الديمقراطية الذي بات يمتلك لاعبين صقلهم الاحتراف الأوروبي وأثرى مواهبهم وفجر إبداعهم مثل النجم الكبير لوا لوا ، مهاجم نادي بورتسموث الانكليزي وشعباني نوندا ، نجم فريق روما الايطالي. أرجوكم، أطلقوا سراح اللاعبين المصريين ليحترفوا في أوروبا كي تستمر أفراحنا وليالينا الملاح. أحمد غالي [email protected]